للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قال الإِمام الذهبي (١) " إلى فقه مالك المنتهى، فعامة آرائه مسددة " (٢).

ولكن الإِمام مالكًا قد أنصف حينما رسم للناس قاعدة يسيرون عليها، حيث قال: " كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم " (٣).

وهذا كلام حكيم وعظيم يدل على أن جميع الناس ليسوا معصومين من الخطأ، إنما الذي قد عُصِمَ في تبليغ الشريعة هو محمد صلى الله عليه وسلم.

٣ - والإِمام مالك كان يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، ومن ذلك قول الإِمام الشافعي: " كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء، قال: أما إني على بينة من ربي وديني، وأما أنت فشاك، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه " (٤).

وهذا الكلام من الدعوة إلى الله بالحكمة؛ لأن من الناس من يحتاجون إلى الغلظة أحيانًا، ولا يخرج ذلك عن الحكمة؛ لأن الله - تعالى - وهو أحكم الحاكمين - قال لأحكم الناس أجمعين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التحريم: ٩] (٥) وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: ٤٦] (٦).


(١) هو الإِمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ولد - رحمه الله - في شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٣ هـ، بدأ بطلب العلم مبكرًا، ورحل في طلبه، وبرع فيه، ثم عمي قبل موته بأربع سنين أو أكثر بماء نزل في عينيه، وتوفي - رحمه الله - ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة قبل نصف الليل سنة ٧٤٨ هـ، وله آثار علمية بلغت نحوًا من ٢١٥ مؤلفًا - رحمه الله -. انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٢٢٥، ومقدمة سير أعلام النبلاء ١/ ١٢ - ١٤٠.
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء ٨/ ٩٢.
(٣) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي ٨/ ٩٣.
(٤) انظر: حلية الأولياء ٦/ ٣٢٤، وسير أعلام النبلاء ٨/ ٩٩.
(٥) سورة التحريم، الآية ٩.
(٦) سورة العنكبوت، الآية ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>