للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما قطعتم من أشجار الناس، فطلب منه قازان الدعاء، فقال في دعائه: "اللهم إن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا؟ وليكون الدين كلّه لك، فانصره وأيده، وملّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياءً وسمعةً وطلبًا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا، وليذلِّ الإسلام وأهله، فاخذله وزلزله ودمره واقطع دابره "، وقازان يرفع يديه ويؤمن على دعائه. وقد خاف الناس على الشيخ القتل في هذا الموقف، ولكن الله أنزل الرعب في قلوب أعدائه (١).

وقد أجابه قازان إلى حقن دماء المسلمين، وبلغه ما أراد، ورد عليه الأسرى من المسلمين، فلم يقبل الشيخ حتى ردَّ جميع الأسرى من المسلمين ومن أهل الذمة من اليهود والنصارى، ثم رجع الشيخ مكرَّمًا معززًا، قد وفَّقه الله ونصره لحسن قصده وإخلاصه في نيته، فنفع الله به المسلمين وأعزَّهم ونصرهم (٢).

ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد، بل له مواقف حكيمة ظهرت فيها شجاعته، منها حثِّه السلطان على الجهاد، وذلك أنه ركب إلى مصر يطلب من السلطان أن يُرسل جيوشًا، أو يتخلى عن الشام ويولِّي عليه ابن تيمية غيره، فأجابه السلطان وأرسل الجيوش، وذلك سنة ٧٠٠هـ ثم رجع الشيخ من مصر إلى الشام، ووصل في ٢٧ من جمادى الأولى سنة ٧٠٠هـ، وحثَّ جميع الناس على الجهاد في سبيل الله، فوصلت الجيوش، ورجع جيش التتار، وعبر الفرات (٣) وكفى الله المؤمنين القتال.

ولم يقتصر ابن تيمية على ما سبق، بل له مواقف أخرى تدل على بطولته


(١) البداية والنهاية ١٤/ ٨٩، وانظر: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد البيطار ص٢٣ - ٢٥.
(٢) انظر: الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لعمر بن علي البزار، ص٧١ - ٧٤.
(٣) البدابة والنهاية ١٤/ ١٥، ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>