للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكمته، فقد جاء التتار بجموعهم مرة أخرى بعد أن عبروا الفرات، فجاءُوا سنة ٧٠٢هـ وهجموا على الديار الشامية، فقام ابن تيمية وحثَّ سلطان مصر على الجهاد ورغَّب فيه، وحثَّ الناس أيضا ورغَّبهم في الجهاد في سبيل الله، ووعدهم بالنصر من الله -عز وجل-، وكان يحلف بالله العظيم: إنكم في هذه الكرَّة منصورون. فيقول له الأمراء ومن معهم: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا. وكان يتأول قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: ٦٠] (١) وقد كان الله عند حسن ظنِّه به؟ فإنه كان يحلف لهذه الآية، وثقة بالله- تعالى- وأنه لا يخلف وعده، ثم التقى المسلمون بالتتار في يوم السبت الثاني من رمضان سنة ٧٠٢هـ في وقعة "شقحب "، فامتد القتال من عصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، واشترك ابن تيمية في المعركة بلسانه ويديه وسيفه، وبكل ما يملك من قوة وبلاغة في تثبيت الأمراء والجنود وجميع الجيش، وقد كان السلطان يقول لابن تيمية في هذه المعركة: يا خالد بن الوليد فيقول ابن تيمية: قل يا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٤ - ٥] (٢) واشتدت المعركة، وحلف ابن تيمية للناس بالله الذي لا إله إلا هو إنكم لمنصورون، وأمر الناس بالإفطار، وأفطر هو أمامهم، ثم أنزل الله النصر على المسلمين، ثم هرب التتار، واقتحموا الجبال والتلول والآكام، وصاروا يتساقطون في الأودية، وهربوا ليلًا، وغرق منهم خلق كثير في الفرات بسبب الظلام، وعاد الشيخ ومن معه إلى دمشق في اليوم الخامس من رمضان سنة ٧٠٢هـ، وقد نصرهم الله تعالى (٣).


(١) سورة الحج، الآية ٦٠.
(٢) سورة الفاتحة، الآيتان ٤، ٥.
(٣) انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٢٢ - ٢٦، وأوراق مجموعة من حياة ابن تيمية ص٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>