للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن حكمة القول مع الملحدين أن يستخدم الداعية إلى الله -تعالى- في دعوته لهم الأدلة الفطرية، فيوضح ويبين لهم أن المولود يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنها من يعدل؛ لآفة من آفات الشر والتقليد. . وكل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحدًا إلا وهو يقر بأن له صانعًا وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره (١).

والمقصود بفطرة الله التي فطر الناس عليها: فطرة الإسلام (٢) والسلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة؛ فإن حقيقة الإسلام هو الاستسلام لله وحده.

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟».

فأوضح أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ (٣). قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-: «إني خلقت عبادي حُنَفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتَالَتْهُم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا». . . " (٤).

وقد مثل شيخ الإسلام ابن تيمية الفطرة مع الحق بمثل يوضح ذلك، فقال: "ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من


(١) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ٣/ ٤٥٧، وفتح الباري ٣/ ٢٤٨ - ٢٥٠.
(٢) وقد جزم بذلك البخاري فقال: والفطرة الإسلام. انظر: البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، باب لا تبديل لخلق الله ٨/ ٥١٢.
(٣) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٢٤٥، وفتح الباري ٤/ ٢٤٥.
(٤) مسلم، كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ٤/ ٢١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>