للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَهَوُّدٍ وتنصّر وتمجّس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في طبيعته فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مُرًّا" (١).

وليس المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «يولد على الفطرة» أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين ويعتقد الإسلام بالفعل؟ لأن الله يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨] (٢).

ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته، وقبوله وإرادته للحق، وإقراره بالربوبية، فلو خلّي من غير معارض ومن غير مغيِّر لما كان إلا مسلمًا ولم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه صارف، ومن ثم شُبِّهت الفطرة باللبن، فهي تستلزم معرفة الله ومحبته وتوحيده (٣).

ويدل على ذلك رواية مسلم: «ما من مولود يولد إلا وهو على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه» (٤).

وقد أخبر الله -عز وجل- أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: ١٧٢] الآية (٥).


(١) درء تعارض العقل والنقل ٩/ ٣٧٥، والفتاوى لابن تيمية ٤/ ٢٤٧.
(٢) سورة النحل، الآية ٧٨.
(٣) انظر: شرح النووي على مسلم ١٦/ ٢٠٨، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٤/ ٢٤٧، ١٦/ ٣٤٤، ٤/ ٢٤٩، وفتح الباري ٣/ ٢٤٨ - ٢٥٠.
(٤) مسلم، كتاب القدر، باب معنى: كل مولود يولد على الفطرة ٤/ ٢٠٤٨.
(٥) سورة الأعراف، الآية ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>