للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل دلالة قاطعة على أن كل إنسان قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم (١).

ومما يبين ذلك ويوضحه أن العاقل إذا رجع إلى نفسه وعقله أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الخالق-تعالى- في تكوينه وبقائه وتقلبه في أحواله (٢) وإذا نظر إلى الخلائق علم فقرهم كلهم إلى الخالق في كل شيء؛ فقراء إليه في الخلق والإيجاد، وفي البقاء والرزق والإمداد، وفقراء إليه في جلب المنافع ودفع المضار.

فانظر إلى حالة الناس إذا كربتهم الشدائد، ووقعوا في المهالك، وأشرفوا على الأخطار، كيف تجد قلوبهم معلقة بالله، وأصواتهم مرتفعة بسؤاله، وأفئدتهم تنظر إلى إغاثته، لا تلتفت يمنةً ولا يسرةً إلا إليه (٣).

ومما يزيد ذلك وضوحًا أن الخلق متى شاهدوا شيئًا من الحوادث المتجددة كالرعد والصواعق، والبرق والزلازل، والبراكين المتفجرة الثائرة، والريح الشديدة، وانهمار الأمطار الغزيرة، وفيضانات الأنهار، واضطراب الأمواج في البحار والمحيطات، متى شاهدوا ذلك دعوا الله وسألوه، وافتقروا إليه، لأنهم يعلمون أن هذه الحوادث المتجددة لم تتجدّد بنفسها، بل لها محدث أحدثها، وإن كانوا يعلمون هذا في سائر المحدثات؛ لكن ما اعتادوا حدوثه صار مألوفًا لهم، بخلاف المتجدّد، ولو لم يكن إلا خلق الإنسان، فإنه من أعظم الآيات، فكل يعلم أنه لم يحدث نفسه، ولا أبواه أحدثاه، ولا أحد من البشر أحدثه، ويعلم أنه لا بد له من خالق خلقه،


(١) انظر: تفسير ابن كثير ٢/ ٢٦٢، ٣/ ٤٣٣، ودرء تعارض العقل والنقل ٨/ ٤٨٧، وجامع الرسائل لابن تيمية ١/ ١١، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي ٢/ ٣٣٧.
(٢) انظر. كتاب الداعي إلى الإسلام لعبد الرحمن الأنباري ص٢١١، ودرء تعارض العقل والنقل ٣/ ١١٣.
(٣) انظر: الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة ص٢٥١، ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>