للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي - قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: ٩٠ - ٩١] الآيات (١)؛ فهذا هو الصدق حقا، إنما عمل لهم العجل السامري، أما هارون فنهاهم، ولكنهم عصوه وكادوا يقتلونه (٢).

النوع الثاني: كتمان الحق: لا شك أن الله حق، ولا يقول إلا حقا، والتوراة التي أنزلت على موسى كلها حق؛ لأنها كلام الله تعالى، ولكن بني إسرائيل كانوا يكتمون الحق، قاصدين بذلك إخضاع كتاب الله لأهوائهم وشهواتهم، فالآيات التي يرون فيها منفعة لهم عاجلة أو تكون في جانب حجتهم يقرونها، أما الآيات التي يرون أن فيها دليلا عليهم فيكتمونها؛ ولهذا سجل الله عليهم هذا الكتم في كتابه، فقال سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١] (٣).

ومن أعظم ما كتمه أهل الكتاب هو ما وجدوه في كتبهم من صفات محمد صلى الله عليه وسلم، واختيار الله له رسولا إلى الناس أجمعين، وقد كانوا يعرفونه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم إذا سئلوا عن ذلك كتموه (٤) قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٤٦] (٥) {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: ٢٠] (٦).


(١) انظر: سورة طه، الآيات ٨٧ - ٩١.
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١/ ٤٥٦، وهداية الحيارى ص ٥٨٢.
(٣) سورة آل عمران، الآية ٧١، وانظر: سورة البقرة، الآية ٤٢.
(٤) انظر: تفسير البغوي ١/ ٦٧، ١٦٢، ٣١٥، وابن كثير ١/ ٨٥، ٩٥، ٣٧٤.
(٥) سورة البقرة، الآية ١٤٦.
(٦) سورة الأنعام، الآية ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>