للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كنت أمشي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت صفحة عاتق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم فضحك، ثم أمر له بعطاء» (١). .

وهذا من روائع حلمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وكماله، وحسن خلقه، وصفحه الجميل، وصبره على الأذى في النفس، والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام؛ وليتأسى به الدعاة إلى الله، والولاة بعده في حلمه، وخلقه الجميل من الصفح، والإغضاء، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن (٢). .

٤ - «وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه غزا مع رسول اللهّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاه، فنزل رسول اللهّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تحت شجرة، وعلق بها سيفه، ونمنا نومةً، فإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: " إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله (ثلاثاً) ولم يعاقبه، وجلس» (٣). .

وفي هذا دلالة واضحة على قوة يقينه، وصبره على الأذى، وحلمه على الجهال، وشدة رغبته في استئلاف الكفار؛ ليدخلوا في الإسلام، ولهذا ذُكِرَ أن هذا الأعرابي رجع إلى قومه وأسلم، واهتدى به خلق كثير (٤). .


(١) البخاري مع الفتح، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه ٦/ ٢٥١: ومسلم، كتاب الزكاة: باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة ٢/ ٧٣٠.
(٢) انظر: فتح الباري ١٠/ ٥٠٦، وشرح النووي على مسلم ٧/ ١٤٦، ١٤٧.
(٣) البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب من علق سيفه بالشجر بالسفر عند القائلة ٦/ ٩٦، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف ١/ ٥٧٦، ٤/ ١٧٨٦.
(٤) انظر: فتح الباري ٧/ ٤٢٧، ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>