للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد وأكمل الناس عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله محمد خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كفل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده (١) فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار.

ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» (٢). كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهاها الله عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار عليه، وعدوه الذي بين جنبيه غالب له وقاهر له؛ ولا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج. فهذان عدوان (٣) وبينهما عدو ثالث لا يمكن للعبد أن يجاهدهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط الإنسان عن جهادهما ويخوفه ويخذله، ولا يزال يخوفه ما في جهادهما من المشاق، وفوات اللذات، والشهوات، فلا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاد هذا العدو الثالث وهو الأصل لجهادهما وهو الشيطان (٤).

ويتضح مما تقدم أن ميادين أو أنواع القتال في الجهاد كالآتي:


(١) انظر: زاد المعاد ٣/ ١٠، ١٢.
(٢) أحمد بسند جيد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ١/ ١١.
(٣) النفس والعدو في خارجها.
(٤) انظر. زاد المعاد ٣/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>