للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم لقومه: «أرأيتَكم لو أخبرتُكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» (١).

وفي حديث أبي سفيان مع هرقل حينما سأله عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكه، قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: قلت: لا. . . ثم قال: ماذا يأمركم به؟ قال أبو سفيان: قلت: يقول: " اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة. . " ثم قال هرقل لأبي سفيان في نهاية الحديث: فإن كان ما تقول حقاً، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه " (٢).

فهذا الرسول الكريم هو قدوة الداعية، وإمامه الذي يسير على هديه، ويلتزم أخلاقه، وسلوكه، فقد كان صلى الله عليه وسلم حسن السيرة والسلوك الحكيم في حياته كلها، ولم يتهم بشيء مما كان يعمله قومه، فقد نشأ صلى الله عليه وسلم في مجتمع كثرت فيه المفاسد، وعمت فيه الرذائل: فالبغاء، والاستبضاع، والزنا الجماعي، والأفرادي، ونكاح أسبق الرجال ممن مات زوجها، والاعتداء على الأعراض والأموال والدماء، كل ذلك كان شائعًا في قومه قبل الإسلام، لا ينكره أحد، ولا تحاربه جماعة، هذا بالإضافة إلى وَأْدِ البنات، وقتل الأولاد خشية الفقر أو العار، ولعب الميسر، وشرب الخمر، أمور تعد في الجاهلية من المفاخر والتباهي، وليس من شرط أن يكون المجتمع كله


(١) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة تبت، باب حدثنا يوسف ٨/ ٧٣٧، ومسلم، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، ١/ ١٩٤.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا أبو اليمان، ١/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>