للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرتكب هذه الجرائم، وإنما عدم إنكارها هو دليل على الرضا بها، وهذا ما يدعو إلى انتشارها إلى جانب الأفكار الأخرى.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل أي عمل أو يباشر أي خلق من هذه الأخلاق الرذيلة، بل قد اتصف بجميع مكارم الأخلاق بين قومه، فكان صادقًا لا يعرف الكذب، أمينًا لا يعرف الخيانة، وفيًّا لا يعرف الغدر، حتى كان معروفًا في مجتمعه بهذه الصفات، مميزًا بها عن غيره، ولا يجهل ذلك أحد ممن عرفه، ولا يساويه في ذلك أحد من خلق الله، ولا ينكر ذلك أحد، سواء كان عدوًّا أو غيره، ولا يمكن أن يتهمه خصم، فقد بعث صلى الله عليه وسلم وناصبَهُ قومه العداء، ولكن لم يستطع واحد منهم أن يتهمه بصفة غير لائقة أو خلق يعيبه به، ولو عرفوا شيئًا من ذلك - وقد عاش بينهم أربعين عامًا - لأراحهم من التنقيب عن خصلة غير حميدة يتهمونه بها عندما يحل الموسم، ويلتقي بالناس في الحج حتى يبعدوه عنهم فعجزوا عن ذلك، ووجدوا أن كلمة " ساحر " هي أنسب الصفات التي يطلقونها عليه حيث يفرق بدعوته إلى الله بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والرجل وزوجته، واتهموه بالجنون؛ لأنه خالف شركهم ودعا إلى عبادة الله وحده، ولم يستطيعوا أن يأتوا بأي خلق رذيل فينسبوه إليه صلى الله عليه وسلم، وعندما سألهم صلى الله عليه وسلم عن صدقه قالوا: " ما جربنا عليك كذبًا " (١) ولهذا لُقِّبَ بين قومه بـ " محمد الأمين " (٢).

فالصدق والأمانة من أولى الأخلاق وأحكم السلوك التي يجب على


(١) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، باب حدثنا يوسف بن موسى ٨/ ٧٣٧، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، ١/ ١٩٤، وتقدم تخريجه.
(٢) أحمد في المسند من حديث السائب بن عبد الله - رضي الله عنه - بإسناد حسن ٣/ ٤٢٥، قال الألباني في تخريج فقه السيرة للغزالي وله شاهد من حديث علي - رضي الله عنه - رواه الطيالسي بترتيب الشيخ عبد الرحمن البنا ٢/ ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>