للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " تبيعنيها بعين في الجنة؟ " فقال يا رسول الله: ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: " نعم "، قال: قد جعلتها للمسلمين» (١).

وهذا يدل على كرم عثمان رضي الله عنه ورغبته فيما عند الله تعالى، فعلى الداعية أن يكون كريما راغبا فيما عند الله سبحانه وتعالى (٢).

رابعا: إظهار الداعية مناقبه عند الحاجة لذلك: لا شك أن الداعية الصادق المخلص لا يحب أن يظهر عمله للناس؛ لأنه لا يقصد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، ولكن إذا كان في إظهار مناقبه مصلحة راجحة تنفع الدعوة والمدعوين، أو تبيِّن للناس مدى صحة ما يقول حتى يعملوا به، أو تدفع عنه تهمة رمِيَ بها، فلا بأس بذلك، وفي هذا الحديث من فعل عثمان وقوله ما يدل على ذلك؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: ". . . وفيها جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة، أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب " (٣).

خامسا: من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء والامتحان: يظهر في هذا الحديث ما حصل لعثمان رضي الله عنه من الابتلاء، والامتحان، فقابل ذلك بالثبات والصبر، فهو ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومع ذلك أصابه هذا الابتلاء؛ قال سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] (٤).


(١) ذكره ابن حجر في فتح الباري، ٥/ ٤٠٧، وعزاه بسنده إلى البغوي في الصحابة، وانظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي للمباركفوري، ٧/ ١٩٠.
(٢) انظر: الحديث رقم ٢، الدرس الثاني، ورقم ١٥، الدرس الثاني.
(٣) فتح الباري ٥/ ٤٠٨.
(٤) سورة محمد، الآية: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>