للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مرحين، فهم دعاة علماء، حلماء؛ وأصحاب وقار وعفة، والتواضع فيه مصلحة الدين والدنيا؛ فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء؛ ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة (١).

والدعاة إلى الله تعالى إذا تواضعوا رفعهم الله في الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفوٍ إلا عزّا، ومن تواضع لله رفعه» (٢) وهذا مما يفتح الله به للداعية قلوب الناس؛ فإن الله يرفعه في الدنيا والآخرة، ويثبت له بتواضعه منزلة في قلوب الناس، ويرفعه عندهم، ويجلّ مكانه (٣) أما إذا تكبر الداعية على الناس فقد توعده الله بالذلِّ والهوان في الدنيا والآخرة؛ فالله عز وجل: «العزّ إزاره، والكبرياء رداؤه فمن ينازعه ذلك عذبه» (٤). ففي حديث الباب حث على التواضع، وهذه صفة يجب على كل داعية أن يتَّصف بها في دعوته وفي كل أموره (٥)؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد» (٦).

رابعا: من صفات الداعية: حسن الخلق: دل الحديث على أن حسن الخلق من أعظم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله عز وجل، قال ابن حجر رحمه الله تعالى في حديث الباب: " وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه؛ لكونه رضي أن أعرابيّا يسابقه " (٧). ومعلوم عند العقلاء أن الخلق الحسن يحبب الداعية إلى الناس جميعا، فكل من جالسه أو خالطه أحبه؛ ولهذا يسهل على الداعية جذب قلوب الناس إلى دعوته؛ لأن من لم يتخلَّق بالخلق الحسن ينفر الناس من دعوته، ولا يستفيدون من


(١) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، ٢/ ٣٢٧، وفتح الباري لابن حجر ١١/ ٣٤١.
(٢) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع، ٤/ ٢٠١، برقم ٢٥٨٨.
(٣) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/ ٣٧٨.
(٤) مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الكبر، ١٦/ ٤١٢، برقم ٢٦٢٠، ولفظه " فمن ينازعني عذبته ".
(٥) انظر: فتح الباري، لابن حجر ٦/ ٧٤، وعمدة القاري للعيني، ١٤، ١٦٢، والرياض الناضرة للسعدي، ص ١٠٥.
(٦) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار ٤/ ٢١٩٩ برقم ٢٨٦٥.
(٧) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ٧٤، وانظر: ١١/ ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>