للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرعاء» (١). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " إنما كان ذلك على سبيل القصاص " (٢). وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله يقول: " والأقرب والله أعلم أنه يجوز تعذيب من قتل بالنار أن يقتل بالنار؛ لأنه من باب المقاصة، كما لو عذبه بقطع لسانه، أو قطع رجله، أو أنفه جاز أن يقتص منه بقطع ما قطع، فكذلك التحريق بالنار من باب المقاصة " (٣). {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] (٤) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: ٤٠] (٥) فاتضح من ذلك أنه لا يعذب بالنار في كل حيوان حتى النملة والبعوضة، إلا أن يكون قصاصا (٦).

ثالثا: من صفات الداعية: الرجوع عن الحكم والفتوى إذا ظهر الدليل: إن من الصفات العظيمة التي ينبغي أن يتصف بها كل مسلم وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل: الأخذ بالدليل من الكتاب والسنة، والرجوع إلى ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث قال: «إن لقيتم فلانا وفلانا- لرجلين من قريش سماهما- فحرقوهما بالنار»، ثم رجع عن ذلك تعظيما لله عز وجل؛ لئلا يعذب بعذابه فقال صلى الله عليه وسلم: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن أخذتموهما فاقتلوهما»، فدل ذلك على أن العالم أو الداعية إذا صدر منه فتوى ثم رأى أن الأفضل أو الأولى أو الواجب خلافها رجع عن قوله وأفتى بما يوافق الدليل، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه " (٧).


(١) مسلم، كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين، ٣/ ١٢٩٦، برقم ١٦٧١.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦/ ١٥٣.
(٣) سمعته من سماحته، أثناء شرحه لحديث رقم ٣٠١٨ من صحيح البخاري، بالجامع الكبير بالرياض.
(٤) سورة النحل، الآية: ١٢٦.
(٥) سورة الشورى، الآية: ٤٠.
(٦) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٦/ ١٥١.
(٧) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦/ ١٥٠، وانظر: عمدة القاري للعيني ١٤/ ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>