للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين بها ومعونتهم، وجهاد الكفار، والأمن من غدرهم، والراحة من رؤية المنكر بينهم.

الثالث: عاجز يعذر: من أسرٍ، أو مرضٍ أو غيره، فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر " (١).

وقد قال القرطبي رحمه الله: " ولا يختلف في أنه لا يحلّ لمسلم المقام في بلاد الكفار، مع التمكّن من الخروج منها؛ لجريان أحكام الكفار عليه؛ ولخوف الفتنة على نفسه، وهذا حكم ثابت، مؤبَّد إلى يوم القيامة. وعلى هذا فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفار لتجارة أو غيرها، مما لا يكون ضروريا في الدين: كالرسل، وكافتكاك المسلم، وقد أبطل مالك رحمه الله شهادة من دخل بلاد الهند (٢) للتجارة " (٣).

فإذا علم المسلم شأن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإِسلام، فهل يهاجر المسلم من بلاد المسلمين التي تقام فيها المعاصي ولا يستطيع تغييرها؟ قال الإِمام ابن العربي رحمه الله: " فأما الهجرة من بلد الكفر فهي فريضة إلى يوم القيامة، وكذلك الهجرة من أرض الحرام والباطل بظلم أو فتنة. . . فإن قيل: فإن لم يوجد بلد إلا كذلك؛ قلنا: يختار المرء أقلها إثما، مثل أن يكون بلد فيه كفر فبلد فيه جور خير منه، أو بلد فيه عدل وحرام، فبلد فيه جور وحلال خير منه للمقام. . . " (٤) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن» (٥) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: " والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإِسلام باقية إلى قيام الساعة وكذلك الهجرة من بلاد المعاصي إلى بلاد الطاعات، إذا كانت أحسن من بلده، فله الهجرة، إلا إذا كان بقاؤه في بلاد المعاصي فيه خير: كالدعوة إلى الله،


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ١٩٠.
(٢) في نقل الأبي عن القرطبي في إكمال إكمال المعلم ٦/ ٥٨١ " وقد أبطل مالك شهادة من دخل بلاد الحرب للتجارة " وهو الأقرب والله أعلم.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٤/ ٦٩.
(٤) عارضة الأحوذي، بشرح سنن الترمذي ٤/ ٨٩.
(٥) البخاري، ٧/ ٢٤١ برقم ٦٤٩٥، وتقدم تخريجه في الحديث رقم ١٩، الدرس الثاني، ص ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>