للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحواله (١) وإذا نظر إلى الخلائق علم فقرهم كلهم إلى الخالق في كل شيء: فقراء إليه في الخلق والإيجاد، وفي البقاء والرزق والإمداد، وفقراء إليه في جلب المنافع ودفع المضار، فانظر إلى حالة الناس إذا كربتهم الشدائد ووقعوا في المهالك، وأشرفوا على الأخطار، أو شاهدوا شيئًا من الحوادث المتجددة: كالصواعق أو الرعد، والبرق والزلازل، والبراكين المتفجرة الثائرة، والريح الشديدة، وانهمار الأمطار الغزيرة، واضطراب أمواج البحار، وفيضانات الأنهار؛ فإنهم إذا حصلت هذه المشاهد العظيمة يلجئون إلى الله، وترتفع أصواتهم بالدعاء، وقلوبهم تنظر إلى إغاثة الخالق عَزَّ وجَلَّ، ولو لم يكن إلا خلق الإنسان؛ فإنه من أعظم الآيات، فكل يعلم أنه لم يحدث نفسه، ولا أبواه أحدثاه، ولا أحد من البشر أحدثه، ويعلم أنه لا بد له من خالق خلقه، وأن هذا الخالق موجود، حي، عليم، قدير، سميع، بصير، حكيم، حفيظ (٢) قال الله عَزَّ وجَلَّ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] (٣).

٢ - بيان البراهين والأدلة العقلية؛ فإن هذه الأدلة لها التأثير البليغ في دعوة هؤلاء إلى الله عَزَّ وجَلَّ، فيقال لهؤلاء الذين ينكرون وجود الله عَزَّ وجَلَّ: الأمور الممكن تقسيمها في العقل ثلاثة لا رابع لها: (أ) إما أن توجد هذه المخلوقات بنفسها صدفة من غير محدث ولا خالق خلقها، فهذا محال ممتنع تجزم العقول ببطلانه ضرورة ويعلم يقينًا أن من ظن ذلك فهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل؛ لأن كل من له عقل يعرف أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير موجد ولا محدث، فلا بد لكل حادث من محدث ولا سبيل إلى إنكار ذلك؛ فإن وجود الشيء من غير موجد محال وباطل، بالمشاهدة والحس والفطرة السليمة.

(ب) وإما أن تكون هذه المخلوقات الباهرة هي المحدثة الخالقة لنفسها،


(١) انظر: كتاب الداعي إلى الإسلام، لعبد الرحمن الأنباري ص٢١١، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، ٣/ ١١٣.
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية ٣/ ١٢٢، ١٢٩، ١٣١، ١٣٧، ٨/ ٤٨٧ والرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة للسعدي، ص ٢٥١ - ٢٥٢، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، ٢/ ٢٣٧.
(٣) سورة الذاريات، الآية: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>