للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أيضًا محال ممتنع بضرورة العقل، وكل عاقل يجزم أن الشيء لا يحدث نفسه ولا يخلقها؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا؟! فإذا بطل هذان القسمان عقلًا وفطرة، وبان استحالتهما تعين القسم الثالث: (ج) وهو أن هذه المخلوقات بأجمعها علويها وسفليها، وهذه الحوادث لا بد لها من خالق ينتهي إليه الخلق، والملك، والتدبير، وهو الله العظيم الخالق لكل شيء المتصرف في كل شيء، المدبر للأمور كلها (١)؛ ولهذا الدليل العقلي والبرهان القطعي قال الله عَزَّ وجَلَّ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: ٣٥ - ٣٧] (٢).

وهذا يوضح أن العدم لا يخلق شيئا، والطبيعة لا تملك قدرة، والصدفة العمياء لا توجد حياة.

٣ - ذكر الأدلة الحسية المشاهدة التي تدل على وجود الله، وربوبيته، وأنه الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، وهذه الأدلة على نوعين: (أ) النوع الأول: إجابة الله عَزَّ وجَلَّ للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه الله للسائلين وما يجيب به أدعية الداعين، ويرفع به كرب المكروبين فتحصل المطالب الكثيرة بأسباب دعاء بعض العباد لربهم، والطمع في فضله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس، لا ينكره إلا مكابر (٣) قال الله عَزَّ وجَلَّ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: ٦٢] (٤).

(ب) - النوع الثاني: معجزات الأنبياء وهي آيات يشاهدها الناس أو يسمعونها وهي من أعظم البراهين القاطعة على وجود مرسلهم؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر يجريها الله عَزَّ وجَلَّ تأييدًا لرسله ونصرًا لهم عليهم


(١) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١/ ٦٦، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، ٣/ ١١٣، والرياض الناضرة للسعدي ص ٢٤٧، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ٧/ ١٩٥، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، ٤/ ٣٦٨.
(٢) سورة الطور، الآيات: ٣٥ - ٣٧.
(٣) انظر: الرياض الناضرة للسعدي ص ٢٥٣.
(٤) سورة النمل، الآية: ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>