للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (١).

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: أن الغيرة نوعان: غيرة من الشيء، وغيرة على الشيء، والغيرة من الشيء: كراهة مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك، والغيرة على الشيء: شدة حرصك على المحبوب أن يفوز به غيرك دونك أو يشاركك في الفوز به.

والغيرة أيضا نوعان: غيرة العبد من نفسه على نفسه، كغيرته من نفسه على قلبه، ومن تفرقه على جمعيته، ومن إعراضه على إقباله، ومن صفاته المذمومة على صفاته المحمودة، وهذه الغيرة خاصية النفس الشريفة الذكية، وما للنفس الدنية المهينة فيها نصيب.

ثم الغيرة أيضا نوعان: غيرة الله على عبده، وغيرة العبد لربه لا عليه، فأما غيرة الرب على عبده، فهي أن لا يجعله للخلق عبدا، بل يتخذه عز وجل لنفسه وحده عبدا. وغيرة العبد لربه نوعان، أيضا: غيرة من نفسه وغيرة من غيره، فالتي من نفسه: أن لا يجعل شيئا من أعماله، وأقواله، وأحواله، وأوقاته، وأنفاسه لغير ربه، والتي من غيره: أن يغضب لمحارمه عز وجل إذا انتهكها المنتهكون، ولحقوقه إذ اتهاون بها المتهاونون (٢) فينبغي للداعية أن يتصف بالغيرة التي يحبها الله عز وجل، ويدعو الناس إليها ويحثهم عليها، ويحذرهم من محارم الله عز وجل؛ لأن الله يغار وغيرته لا تشبه غيرة أحد من خلقه؛ فإنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] والله الموفق للصواب.

سادسا: من صفات الداعية: الحرص على صلة الأرحام: دل هذا الحديث على أن من الصفات الحميدة الحرص على صلة الأرحام؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه أحسن إلى بنته أسماء رضي الله عنها فأرسل إليها خادما يكفيها الفرس وما يحتاج إليه؛ ولهذا قالت رضي الله عنها: ". . . «حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني»، وقد تأثرت رضي الله عنها بهذه الصلة حتى


(١) البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، ٦/ ١٩١، برقم ٥٢٢١.
(٢) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، ٣/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>