[تنوع صفات الله تعالى باعتبار أدلتها العقلية والسمعية]
القاعدة الثانية: هي أن صفات الله عز وجل تنقسم باعتبارين: باعتبار الأدلة عليها، وباعتبار ذاتها، فباعتبار الأدلة عليها تنقسم إلى عقلية وسمعية، وباعتبار ذاتها تنقسم إلى ذاتية وفعلية.
باعتبار الأدلة على صفات الله عز وجل سبق أن أشرنا إلى قاعدة مهمة جداً عموماً، وهي: أن مسائل العقيدة يدل عليها العقل كما يدل عليها السمع، ولا يصح أن نجعل الدليل العقلي قسيماً للدليل الشرعي؛ لأن بعض الناس عند عرضه للأدلة يقول: الأدلة الشرعية، ثم يستعرض الأدلة من الكتاب والسنة ثم يقول: الأدلة العقلية، فهذه المقابلة بين الدليل الشرعي والدليل العقلي بهذه الطريقة مقابلة غير صحيحة؛ لأنه يفهم منها أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة عقلية برهانية مقنعة، وهذا فهم خاطئ، فإن النصوص الشرعية في ذاتها فيها أدلة عقلية برهانية مقنعة على كافة مسائل العقيدة، سواء على مسائل الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات، أو المعاد، أو النبوات، كل هذه المسائل التي هي أصول العقيدة هناك أدلة عقلية تدل عليها، وقد أكثر منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) وفي كتابه الآخر (نقض التأسيس) فإن أهل الكلام ظنوا أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة برهانية عقلية، فأخذوا في اختراع الأدلة التي يتوقعون أنها تقنع الملاحدة أو تقنع الخصوم؛ لأن الخصم كما يقول التفتازاني: لا يذعن للنصوص الشرعية، فأنت عندما تأتي إلى خصم مثلاً من النصارى أو من الملحدين أو من أي ملة من ملل المشركين وتقول له: قال الله تعالى، يقول: أنا أصلاً لا أعترف بنبوة محمد حتى تستدل علي بما جاء به من الأخبار عن الله تعالى، فأرادوا مواجهة أصحاب الزندقة وأصحاب أهل الشرك فاخترعوا أدلة عقلية، يتصورون أن هذه الأدلة العقلية كافية في إقناع الآخرين، فصارت هذه الأدلة العقلية لها لوازم التزموها أثرت على مسائل العقيدة في فهمهم، فنفوا من أجلها الصفات، وانحرفوا في دلائل النبوات، وانحرفوا أيضاً في الاستدلال على قضايا البعث والمعاد، مع أن هذه من أساسيات العقيدة، ومن الأمور التي يجب أن يكون توضيح القرآن لها بشكل واسع وكبير، ولهذا ينبغي دائماً أن نجعل في أنفسنا أن القرآن والسنة مليئان بالأدلة العقلية، فهذا حصين أبو عمران الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقنعه بطريقة برهانية بسيطة وسهلة يفهمها أي أحد، ليس فيها تعقيد، وليس فيها تطويل، وليس فيها مراحل حتى تصل إلى المقتضى، وليس فيها غموض، بل هي قضية بسيطة سهلة جداً قال:(كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة: واحد في السماء وستة في الأرض.
قال: فمن لحاجتك وضرك ونفعك وما تريد؟ قال: الذي في السماء، قال: إذاً اعبد الذي في السماء واترك الذي في الأرض) فاقتنع الرجل فأسلم مباشرة، وهكذا تجد أن القرآن عندما يستدل على الذين ينكرون البعث يستدل عليهم بالخلق الأول، يعني: أن القادر على الخلق الأول قادر على الإعادة مرة أخرى، من ذلك قوله تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ}[يس:٧٨]، وذلك عندما جاء بالعظم وفته وقال: هل يحيي الله عز وجل هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟! فقال الله عز وجل:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ}[يس:٧٨] يعني: نسي أنه لم يكن هناك عظم أصلاً، وأن هذا العظم تكون ولم يكن هناك لحم، فتكون هذا اللحم ولم تكن هناك روح في هذا العظم واللحم، فتكون هذه الروح في العظم واللحم فصار إنساناً حياً، فهل إذا طرأ عليه طارئ جديد وهو الموت، وأصبحت عظامه بهذه الصورة بحيث يمكن للإنسان أن يفته، هل يعني هذا أن الذي أنشأه أول مرة غير قادر على إعادته مرة أخرى؟ هذا في أي منطق يكون؟ هذا أمر غير مقبول عقلاً، وقد سبق معكم في أدلة توحيد الألوهية أن الله عز وجل بين توحيد الألوهية بياناً برهانياً واضحاً بيناً، وأن هذا الاستدلال كان عقلياً منطقياً ليس فيه أي إشكال، بل إنه سهل وقريب من الأشخاص.
الشاهد: أن من صفات الله عز وجل ما يدل العقل عليها ويمكن معرفتها بالعقل، وهناك من الصفات ما لا يمكن معرفتها إلا بالشرع، فمن الصفات التي يمكن للإنسان أن يعرفها بالعقل حتى لو لم يكن هناك أدلة شرعية عليها، مع أن الأدلة الشرعية دلت عليها أيضاً: صفة الحياة، قال تعالى:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:٢٥٥] فهو الحي، والصفة التي تؤخذ منه الحياة؛ لأنه يستحيل أن يكون إلهاً إلا ويكون حياً؛ لأن الميت أو الذي لا يقبل الحياة والموت مثل: الجدار لا يصح أن يكون إلهاً، وقد ذكر الله عز وجل بطلان عبادة الأصنام بكونها لا تخلق، وبكونها أمواتاً غير أحياء، وبكونها لا تسمع، يقول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم:٤٢] هذه أدلة عقلية، ولهذا عندما حطم إبراهيم أصنامهم وعلق الفأس ع