من دخل مجالس النواب بغرض الإصلاح ولو بالقليل في الدول الإسلامية، ويقول: بدلاً أن يكون الحكم كله بغير ما أنزل الله نريد أن نغير ولو بشيء يسير، فما حكم من فعل هذا؟ وهل يلحق بهم أنهم من الطواغيت؟
الجواب
سبق أن تحدثت عن الديمقراطية، وقلت: إن الديمقراطية لها جانبان: الجانب الأول: أن يعطي التشريع لغير الله عز وجل، فهذا كفر مخرج عن الإسلام، وسبق أن أشرت إليه وبينته.
الجانب الثاني: أن يعتمد التشريع الرباني والشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالتشريعات، لكن يتخذ العمل الانتخابي كآلة من آلات المشاركة السياسية كما يعبرون، فهذه ليست كفراً، لكنها مخالفة للمنهج النبوي فيما يتعلق بطريقة الشورى، فهي ليست كفراً، لكن المطبق في كثير من بلاد المسلمين مع الأسف هو النوع الأول: وهو أن التشريع لغير الله عز وجل، وإن كان في الظاهر أن البعض يقول: إن الشريعة هي المصدر الأساسي للحكم، فالمصدر الأساسي يدل على أن هناك مصادر أخرى، والواجب هو أن يكون المصدر الوحيد، وألا يكون هناك أي مصادر أخرى؛ لأن فيها غنية ولله الحمد، ومن اتخذ مصدراً آخر غيرها فهو مثل من يقول: إن هناك معبوداً غير الله سبحانه وتعالى.
في مثل هذه الحالة إذا قال بعض الدعاة: أريد أن أشارك في مثل هذه الحكومات التي تعتمد طريقة الديمقراطية؛ من أجل أن أرفع أكبر قدر من الضرر، وأن أصلح قدراً من الخلل، فما هو حكم هذا؟ الحقيقة أن هذه المسألة ليس لها حكم واحد، من الخطأ أن يطبق هذا الكلام على كل من شارك، من الخطأ أن نقول: إن كل من شارك مخطئ أو كل من شارك مصيب، وإنما تختلف الأحوال، ولهذا تحتاج إلى عدة ضوابط: الضابط الأول: ألا يعترف ولا يقر لمثل هذه الأنظمة بأن التشريع لغير الله عز وجل، أو مشاركة مصادر أخرى في التشريع غير الشريعة الإسلامية، فإذا أنكر هذا وجاء بوضوح أنه يريد إصلاح بعض الخلل الموجود، وبين أن التشريع لغير الله عز وجل كفر، وأن التشريع فيما يتعلق بالحلال والحرام يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى، أما الأمور الإدارية فهذه قضية أخرى.
الضابط الثاني: ألا يكون في مشاركته مخادعة للمسلمين، بحيث يظنون أن الديمقراطية عملية شرعية صحيحة، فينبغي أن يبين لجمهور المسلمين أن هذه العملية الديمقراطية هي عملية غير شرعية، وليست صحيحة، وهي خطيرة، لكن مشاركتي أنا مثل مشاركة يوسف عليه السلام عندما كان وزير خزانة الملك في تلك الفترة، وكانوا كفاراً في تلك الفترة، فمشاركة يوسف عليه السلام لم تقتض إقرارهم على الكفر، بل كان واضحاً عليه السلام:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[يوسف:٣٩]، بل إن في سياق قصة يوسف جاء فيها:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٤٠]، ولهذا كان يوسف عليه السلام واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار فيما يتعلق بوزارته في هذه الدولة، فكان يكفر الكفار ويوضح كفرهم، ويقول: إنني على ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهكذا.
الضابط الثالث: أن يغلب على الظن إمكانية الإصلاح، أما إذا كان مجرد مشاركات واقتراع وصراع على الاقتراع ونحو ذلك، فهذا حينئذ لا يصلح أن يكون مجالاً للإفادة.
الضابط الرابع وهو مهم جداً: ألا نحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فمن تحققت فيه الضوابط السابقة وحصر دائرة الإصلاح في هذا الأمر، فإنه يكون قد أخطأ خطأ كبيراً، فإن مجالات الإصلاح واسعة، ربما يكون هذا الأمر من المجالات الإصلاحية بالضوابط الشرعية كما قلت، وقد يكون غير وسيلة من وسائل الإصلاح، ولهذا مثل هذه الأمور يجب أن ترد إلى أهل العلم، وأن تكون شورى بين أهل العلم وطلاب العلم، وكل حالة لها حكمها الخاص، وهي تختلف من حال إلى حال، ومن بلد إلى بلد، ومن مكان إلى مكان، ولا يصح أن يطلق فيها حكم واحد بالتحريم مطلقاً، أو بالإباحة مطلقاً، وإنما يكون الحال بحسب نوع النموذج الديمقراطي الموجود والمشاركة، ومدى وضوح مشاركة الداعية عند الناس، بحيث إن الناس يفهمون أن مشاركة الداعية مشاركة إصلاحية، وليس إقراراً لهذا النظام الباطل والفاسد.
هذه الضوابط هي التي تحدد مسألة إمكانية المشاركة وإباحتها، أو عدم إباحتها.