ذكرت بعض الصحف كلمة تقنين الشريعة فما معنى تقنين الشريعة وحكمه؟
الجواب
تقنين الشريعة غير القوانين الوضعية، القوانين الوضعية مسألة الكفر فيها ظاهر؛ لأن التشريع فيها أصلاً ليس تشريعاً ربانياً، وإنما تشريع باطل، هو من زبالة أذهان الناس.
أما تقنين الشريعة فهي فكرة نادى بها بعض المختصين في الفقه، يقول: إن الأحكام القضائية بدل أن يكون فيها خلاف يمكن أن نجعلها على شكل قانوني، مثلاً: الزنا يشترط فيه كذا شرط، فإذا حصل هذا الشرط فإن العقوبة كذا، السرقة كذا، الوضع كذا، يعني: تقنن على شكل مواد، ويحكم بها كل القضاة بدرجة واحدة، بحيث إن الحكم في مسألة معينة يكون في شرق البلاد مثلما يكون في غربها، بدون أي تردد.
هذه الفكرة ليست مثل فكرة الديمقراطية، هي مختلفة عنها تماماً، لكن هي في الحقيقة ليست فكرة صحيحة؛ لأن المسائل الشرعية وقع فيها خلاف بين العلماء، ولا يصح أن يلزم القاضي بأن يحكم برأي ارتآه مجموعة من الناس، قد يرى أن في الأدلة الشرعية ما يخالف هذا، وحينئذ يجب عليه أن يحكم بما يراه موافقاً للشريعة، قد يقول قائل: أين المساواة عندما يحكم القاضي في مسألة بحكم، والقاضي الثاني يحكم فيها بحكم آخر؟ نقول: أولاً الخلاف في المسائل القضائية لا يصل إلى درجة الافتراق التام، وإنما هو خلاف متقارب.
ثانياً: أن القاضي الذي حكم بهذا الحكم حكم بشريعة الله، كما أن القاضي الآخر حكم بشريعة الله، فالجميع حكموا بشريعة الله عز وجل، حتى لو اختلفت؛ لأنه قد يفتي عالم في مسألة من المسائل بالإباحة، ويفتي عالم آخر بالتحريم، والجميع حكم بالشريعة من حيث استخدام الأداة الشرعية، لكن لا بد أن يكون أحدهما مصيباً والآخر مخطئاً، والخطأ هنا ليس خطأ مناقضاً للشريعة، ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً اسمه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ومنذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، وكانت دائرة الدولة الإسلامية أكبر من الآن، فقد كانت الدولة الإسلامية تشمل الجزيرة العربية، وبلاد الشام، والعراق، والهند، إلى الشيشان إلى روسيا، ومصر، وشمال أفريقيا إلى المغرب، والأندلس، هذه كلها كانت دولة واحدة، وفيها آلاف القضاة، وكانوا على أكثر من مذهب فقهي، وكانوا يحكمون بما يرون أنه موافق للشرع، ويجتهدون في ذلك، وكانت هناك ضوابط شرعية في الاجتهاد الشرعي، والقاضي إذا حكم بهواه فإنه يشتكى إلى من هو أعلى منه.
ولهذا كان هناك شيوخ للقضاة عموماً، ففي المغرب كانوا يسمونه: قاضي الجماعة، يعني: قاضي مجموعة كبيرة من القضاة، وهو الذي يشرف عليهم.
ومع هذا لم يقننوا الشريعة بالطريقة التي يريدها هؤلاء بهذا الأسلوب، لم يقننوها بهذه الطريقة، والذين طالبوا بتقنين الشريعة هم تأثروا في الحقيقة بالأسلوب القانوني المعاصر الذي أساسه من الغرب، بحيث تكون القضية منضبطة عندهم مائة بالمائة، وهذه الشريعة فيها قضايا قطعية وواضحة، ولا إشكال فيها، لكن بعض الأحيان القضية ترجع إلى تقدير القاضي، حتى في تصديق القوانين الوضعية الموجودة الآن عند الغربيين ترجع إلى نظرة القاضي، يعني: تطبيق القانون على حالة معينة لابد من اجتهاد القاضي نفسه، هذا عند الغربيين، مع أن القانون هو عبارة عن أفكار بشرية، فتجد أن القاضي يحكم فيها بهذا القانون المعين الذي ينطبق على هذه الحالة المعينة، ولا ينطبق على كل الحالات، ولهذا يختلفون اختلافاً كبيراً، فالمطالبة بتقنين الشريعة مطالبة غير واقعية، وغير موافقة للأحكام الشرعية كما سبق أن أشرنا إليه، والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد له رسالة خاصة في تقنين الشريعة يمكن مراجعتها، فهي من أنفع ما كتب في هذا الباب.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.