من نواقض الإيمان أيضاً: الحكم بغير ما أنزل الله، ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله مسألة دقيقة وفيها تفصيل علمي عند أهل العلم، وكثير من الناس يخلط فيها خلطاً كبيراً ما بين إفراط وتفريط، ومنهج أهل السنة هو المنهج الحق والوسط الذي ينبغي الوصول إليه، فالحكم بغير ما أنزل الله نوعان: النوع الأول: أن يصاحب الحكم بغير ما أنزل الله استحلال قلبي أو اعتقاد أفضلية هذا الحكم الذي يحكم به على حكم الله سبحانه وتعالى، أو اعتقاد مساواة هذا الحكم الجاهلي الذي يحكم به لحكم الله عز وجل، فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة بدون خلاف بين العلماء وأهل الإسلام، فإن هذا استحلال لما حرم الله سبحانه وتعالى، وأي استحلال لما حرم الله عز وجل كمن يستحل الخمر أو الزنا أو الربا فإنه يكفر.
والاستحلال معناه: اعتقاد أن هذا الأمر حلال، فمن اعتقد أي أمر من الأمور المحرمة شرعاً والمعروفة والواضحة وهو يعرف أنها محرمة شرعاً ثم استحلها وقال بأنها حلال وجائزة فهذا لا شك أنه كافر خارج عن الإسلام.
النوع الثاني: أن يكون الحكم بغير ما أنزل الله لا يرتبط بالاستحلال القلبي، وإنما هو فعل يفعله وتصرف وعمل يعمله، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يستبدل الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى، ويأتي بمنهج متكامل آخر يحكمه ويلتزم بهذا الحكم.
القسم الثاني: أن يكون ملتزماً في أصل الحكم بشريعة الله عز وجل، كالقاضي يقضي بهوى أو شهوة، مع أنه ليس عنده قانون يلتزم به في كل فرد أو شخص يحكم فيه.
وهناك فرق من حيث العمل بين القانون وبين القاضي الذي يحكم بهوى أو شهوة، فالقانون الذي يحكم به القاضي هو التشريع وهو الشريعة الربانية، هذا في الأصل، لكنه قد يجور لهوى أو شهوة أو رشوة أو نحو ذلك، وهذا يعتبر من الكفر الأصغر الذي لا يخرج عن دائرة الإسلام.
أما إذا اتخذ قانوناً فإن القانون له صفة الشريعة، والقانون هو القاعدة المنضبطة التي تنفذ على كل الناس، وهذه فيها خصائص التشريع، والتشريع حق لله عز وجل، ومن نازع الله فيه فقد كفر، يقول الله عز وجل:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:٥٤]، فكما أن له الخلق فهو الخالق سبحانه وتعالى للعباد فكذلك له الأمر، والأمر هنا المقصود به: التشريع، فالله عز وجل هو الذي شرع للناس ما يصلحهم في معاشهم وفي معادهم، وهو الذي جاء بهذه الشرائع التي يحكم بها القضاة وهي الشرائع الربانية، فمن جاء بشرائع أخرى وألغى هذه الشرائع وأبعدها فإنه يعتبر كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام حتى لو لم يستحل هذا العمل، بل هذا التشريع مثل عبادة غير الله عز وجل تماماً، فلو أن إنساناً عبد غير الله عز وجل كأن استغاث بغير الله، فلا يشترط فيه الاستحلال بإجماع أهل السنة، ولو أن إنساناً طاف حول قبر وذبح لغير الله عز وجل فإنه بإجماع أهل السنة لا يشترط فيه أن يعتقد أن هذا الأمر حلال، بل بمجرد الممارسة والعمل فقد وقع في الشرك الأكبر؛ لأن هذا شرك أكبر ولا ينظر فيه إلى الاستحلال، والنظر إلى الاستحلال في قضايا أخرى، كمن استحل معصية فإنه يكفر، أما لو لم يستحلها فلا يكفر، أما عبادة غير الله فلا يشترط فيها أن يستحل، فإذا استحل فإنه يقع في كفرين في وقت واحد: الكفر الأول: هو عبادة غير الله عز وجل، والكفر الثاني: هو الاستحلال الذي جاء به، فمن جاء بقانون وجعله عاماً على كل الناس، سواءً كان في الدماء وقال: إن القاتل لا يقتل وإنما يسجن مثلاً، أو قال: إن الرجل إذا زنى بامرأة وتحققت الشروط الشرعية في زناهما وكانت متوافرة تامة فإنه يسجن، ويفرقون بين رضا المرأة وعدم رضاها فيقولون: إذا كانت المرأة راضية وهي متزوجة فإنها تغرم ويغرم؛ لأن هذا خيانة للحياة الزوجية ويفرق بينهما، وأما إذا لم تكن راضية وكان هناك غصب فإن له حكماً آخر، بل إن بعض الدول الإسلامية شرعت قانوناً في الردة، فلو أن إنساناً استهزأ بالله وكفر بالله عز وجل فإنه يغرم ألف دينار مثلاً أو مبلغاً من هذه المبالغ وهذا لا شك أنه مخالفة لشريعة الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من بدل دينه فاقتلوه)، وأجمع العلماء على أن من بدل دينه فإنه يجب أن يقتل.
والحقيقة أن مشكلة القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية مشكلة عميقة وكبيرة جداً، ومن أفضل الكتب التي قرأتها في هذا الباب هو كتاب: تحكيم القوانين للشيخ المفتي السابق لهذه البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وفي فتاويه أيضاً كلام دقيق في كثير من هذه المسائل، ومواقف قوية جداً فيما يتعلق بالتشريعات التي تشرع بغير ما أنزل الله وتكون مخالفة لتشريع الله سبحانه وتعالى، فإن القانون -كما قلت- يختلف عن القاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة، فالقاضي الذي يحكم بالهوى والشهوة يكون فاجراً ظالماً كافراً كفراً أصغر لا يخرجه ذلك عن ملة الإسلام، لكن من يأتي بتشريع وقانون فقد أبطل شرع الله عز وجل وجاء بشريعة من عنده، سواء هو الذي اخترع هذه الشريعة أو اخترعت له ون