المكفرات من حيث أفرادها كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وإنما يمكن حصر معاني عامة تندرج تحتها صور كثيرة جداً مما يتعلق بالنواقض والمكفرات سواء القولية أو الاعتقادية أو العملية، ومن ذلك: أولاً: اعتقاد الفلاسفة لقدم العالم، وهذه عقيدة مشهورة في كتب الفلاسفة القدامى، وهي عقيدة الصابئة، فإنهم كانوا يعتقدون أن هذا العالم ناتج عن العقول العشرة أو الأرواح العشرة التي نتجت عن المبدع الأول.
ومختصر عقيدة الفلاسفة في هذا الباب هو: أن المبدع الأول والإله الأعظم نتج عنه بدون أي إرادة منه عقل وروح، ثم نتج عن هذا العقل والروح أيضاً عقل وروح حتى أوصلوها إلى عشرة عقول، ثم نتج عن هذا العقل والروح الأخير العاشر ما يسمونه بالعقل الفعال، ثم نتج عن هذا العقل الفعال هذا الكون المنظور المشهود الذي نراه بأعيننا، وهم يرون أن هذه العقول والأرواح هي الأجرام السماوية المشهورة، مثل: الشمس وعطارد والمريخ وغيرها، فإن الفلاسفة القدامى ما كانوا يعتقدون أن هذه الكواكب هي عبارة عن أجرام مثل الأرض وإنما كانوا يعتقدون أنها أنوار وأرواح، وأنها حاصلة وتعقل، ولها إرادة وتأتي، فيقولون: إن هذه ناتجة عن المبدع الأول، ولها خصائص المبدع الأول في الإرادة والعقل والتأثير والخلق والإبداع والاختراع ونحو ذلك، وهذه الخصائص مأخوذة من المبدع الأول بدون أي إرادة من المبدع الأول وإنما فاضت عنه مثل الظل بالنسبة للإنسان، فإن الإنسان لا خيار له في ظله؛ لأن هذا أمر غير اختياري بالنسبة للإنسان.
وملخص هذه العقيدة: أن هذا الكون الذين يعيشون فيه هو جزء إلهي، وبناء على هذا فإنهم يعتقدون أن هذه المخلوقات جميعاً لها أو فيها جزء من الخصائص الإلهية، ولا شك أن هذا كفر بالله رب العالمين؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه خالق هذه المخلوقات مثل: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكل الناس وكل المخلوقات، فلا يوجد في هذا الكون إلا خالق ومخلوق، والخالق هو الله سبحانه وتعالى، وكل ما عداه مخلوق كالكائنات والملائكة والجن والكواكب وغيرها.
ومعنى مخلوقة يعني: أن الله أبدعها واخترعها وهي لم تكن شيئاً مذكوراً قبل ذلك، وأن الله سبحانه وتعالى قادر على إزالتها، وأنه ليس فيها أي شيء من خصائص الإلهية كما يزعم هؤلاء الملاحدة، وممن اعتقد هذه العقيدة الفلاسفة الذين يسمون بالفلاسفة الإسلاميين مثل: ابن سيناء الطبيب المشهور، والفارابي، ونحوها ممن تأثروا بـ أرسطو وأفلاطون وغيرهما.
الفلاسفة الإسلاميون كفرهم العلماء، وممن كفرهم الإمام أبو حامد الغزالي العالم المشهور صاحب إحياء علوم الدين، مع أنه كان على منهج الأشعرية، إلا أن له كتاب سماه تهافت الفلاسفة، وقد كفر هؤلاء الفلاسفة بثلاثة عقائد: العقيدة الأولى: وهي قولهم: بقدم العالم.
والعقيدة الثانية: هي إنكارهم لعلم الله سبحانه وتعالى بالجزئيات، بل قالوا: إن الله عز وجل يعلم الكليات فقط، وأما الجزئيات والأفراد فإنه لا يعلمها على التفصيل.
والعقيدة الثالثة: إنكارهم للبعث الجسماني، وقولهم: إن الناس لا يبعثون جسدياً وإنما هي أرواح تنتقل من جسد إلى جسد آخر، وإن النعيم والعذاب يقع بعد انتقال هذه الروح، فإذا كانت روحاً فاضلة فإنها تنتقل إلى جسد منعم، وإذا كانت روحاً شقية فإنها تنتقل إلى حيوان مثلاً أو إلى جسد معذب.
فهذه العقيدة عقيدة كفرية، فمن اعتقدها ممن ينتسب إلى الإسلام وآمن بها فإنه يعتبر كافراً ويخرج من دائرة الإسلام.