للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[توحيد الألوهية]

توحيد الألوهية مشتق من الإله، ومعنى توحيد الإلوهية هو: شهادة أن لا إله إلا الله، والإله فعال بمعنى مفعول، يعني: إله بمعنى مألوه، والمألوه هو المعبود، والله هو المعبود محبة ورغبة ورجاءً وخوفاً وتوكلاً وإنابة سبحانه وتعالى، والإله في لغة العرب معناه: المعبود، ولهذا يقول رؤبة بن العجاج الراجز: لله در الغانيات المُدَّهِ سبحن واسترجعن من تألهي فجعل التسبيح والترجيع جزءاً من التأله، والتأله معناه: التعبد، ولهذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفار: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، وأمرهم بشهادة أن لا إله إلا الله، كان جوابهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، فأنكروا عليه أنه جعل الآلهة المتعددة المختلفة معبوداً واحداً، مع أنهم في الحقيقة ما كانوا يجعلون خالقين مع الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، وهم يعرفون أن الله وحده خالق السماوات والأرض، ولا يشركون مع الله في خلق السماوات والأرض، ولكن كانوا يعتقدون أن هناك معبودات من دون الله يقدمون لها العبادة وهي بدورها تقربهم إلى الله عز وجل، كما قال الله عز وجل عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حصيناً والد عمران قال له: (كم تعبد؟ -وكان رجلاً حصيفاً ذكياً- قال: أعبد سبعة، قال: أين هم؟ قال: واحد في السماء، والستة في الأرض، قال: من لنفعك وضرك وحاجتك؟ قال: الذي في السماء، قال: لماذا تعبد التي في الأرض؟)، فأقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدليل العقلي فأسلم وحسن إسلامه.

فتوحيد الألوهية مشتق من (الإله)، وهناك فرق في لغة العرب بين (الرب) و (الإله).

الأمر الثاني: أن مدلول توحيد الربوبية ومتعلقه: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، وإثباتها لله عز وجل، بينما متعلق توحيد الألوهية: الله عز وجل.

الأمر الثالث: توحيد الربوبية متعلقه: أفعال الله، وتوحيد الألوهية: متعلقه أفعال العبد، الربوبية حقيقتها: هي أن تؤمن بأفعال الله مثل الخلق، والرزق، والإحياء والإماتة، ونحو ذلك، وأما توحيد الألوهية فمتعلقة بأفعال العبد نفسه مثل المحبة والخوف والرجاء ونحو ذلك.

والفارق الآخر: هو أن مدلول توحيد الربوبية: علمي، ومدلول توحيد الألوهية: عملي، فتوحيد الربوبية يحتاج من الإنسان أن يؤمن به فهو علمي، وتوحيد الألوهية يحتاج من الإنسان أن يعمل به فهو عملي، وهناك فرق بين العلم والعمل، وهذا أمر يشعر به الإنسان في نفسه.

ولهذا عرف أهل العلم توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله، وتوحيد الألوهية بأنه توحيد الله بأفعال العباد، وهناك تعريف أدق من هذا التعريف وهو التعريف الذي ذكره الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو: التوحيد هو: إفراد الله بالخلق والملك والتدبير؛ لأن التعريف بأن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله يكون تعريفاً عاماً.

وأفعال الله عز وجل نوعان: أفعال متعدية وأفعال لازمة.

فالأفعال المتعدية: هي التي لها تأثير على المخلوقات، والأفعال اللازمة: هي التي ليس لها تأثير على المخلوقات، مثل: النزول والاستواء، والمجيء والإتيان، ونحو ذلك، وتسمى هذه الأفعال أفعال الصفات.

ومثال الأفعال المتعدية: الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فهي أفعال لله عز وجل، لكنها متعدية إلى الخلق، وتسمى هذه الأفعال الربوبية.

فعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله فإنه يشمل هذه الأنواع جميعاً فلا يكون دقيقاً، وعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، فإن هذا يكون أدق؛ لأنه يتعلق بأفعاله المتعدية التي يسميها أهل العلم أفعال الربوبية.

ولهذا نجد أن النصوص القرآنية تطلب من العبد الإيمان بأن الله خالق ورازق ومحيي ومميت وأنه بيده مقاليد كل شيء، وأنه هو المدبر وأنه {يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:٨٨] سبحانه وتعالى، وهناك نصوص تطالب العبد بأن يكون خوفه من الله، وأن يكون رجاؤه لله، وتوكله على الله ونحو ذلك.

فالنوع الأول هو توحيد الربوبية، والنوع الثاني هو توحيد الألوهية، فالفرق بين توحيد الربوبية والألوهية ظاهر في النصوص الشرعية ولا إشكال فيه.

وتوحيد الربوبية لا يكون كافياً في الإيمان، فمن آمن بتوحيد الربوبية إيماناً تاماً، ولم يؤمن بتوحيد الألوهية بأن جعل شريكاً مع الله في عبادته، فإنه في هذه الحالة يكون مشركاً غير موحد حتى يؤمن بتوحيد الألوهية.

ولهذا فإن شرك المشركين في توحيد الألوهية، بل شرك عامة مشركي الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء، فكل نبي يقول: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>