من أنواع الشرك: التبرك، والتبرك معناه طلب البركة، وهناك أعيان وأوقات وأماكن مباركة في الشرع، فمن الأعيان المباركة الأنبياء فأعيانهم مباركة، وكذلك الصالحين، ومن الأماكن المباركة بلاد الشام، قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:١].
فقوله:((بَارَكْنَا حَوْلَهُ)) قال العلماء: المقصود بها بلاد الشام.
ومن الأماكن المباركة: مكة والمدينة، فهذه أماكن مباركة.
ومن الأزمان المباركة: القرن الأول الهجري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خير القرون قرني).
وأيضاً من الأوقات المباركة: يوم الجمعة، ويوم النحر؛ لأن الله عز وجل سماه يوم الحج الأكبر، ورمضان، ونحو ذلك من الأوقات المباركة.
ومن الأعيان المباركة أيضاً ماء زمزم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ماء زمزم لما شرب له).
وأيضاً الحبة السوداء والعسل وغير ذلك من الأمور التي نص الشرع على أنها مباركة، فالتبرك بها مباح، ومن نوع التبرك المشروع، ولكن لا بد له من ضابطين: الضابط الأول: هو ألا يعتقد الإنسان في شيء ما أنه مبارك إلا بدليل شرعي، فإذا اعتقد مثلاً أن هذا الجدار مبارك بدون أي دليل، يكون هذا الاعتقاد اعتقاداً بدعياً مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الضابط الثاني: هو أن يستعمل المبارك بالطريقة المشروعة، فإذا كان ماء زمزم مباركاً فيستخدمه بالطريقة المشروعة وهي شربه، وبلاد الشام أرض مباركة، فيستخدمها بالطريقة المشروعة وهي السكنى فيها، ومكة بلد مبارك والحرم مكان مبارك فيتعبد لله عز وجل بالصلاة فيه أو الطواف حول الكعبة، لكن لو أن إنساناً أكل من تراب مكة وقال: إن مكة بلد مبارك، أو تمسح بأحجارها، أو جاء إلى أعمدة الحرم وبدأ يتمسح فيها، نقول: هذا بدعة، صحيح أن مكة وأن الحرم مكان مبارك، لكن هذه الطريقة التي أتيت بها في طريقة التبرك طريقة مبتدعة، لم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون من بعده، فهي طريقة بدعية مخالفة للسنة.
ومن هنا قال العلماء: إن التبرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: تبرك بدعي، وتبرك مشروع وقد سبق أن أشرنا إليه، وتبرك شركي، وهو: أن يعتقد في أمر من الأمور أنه مبارك ثم يصرف له نوعاً من أنواع العبادة، يقول الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}[النجم:١٩ - ٢٠]، فهذه الأصنام اعتقدوا فيها أنها مباركة، ثم صرفوا لها أنواع العبادات، من أجل أن تقربهم عند الله عز وجل، فوقعوا في الشرك الأكبر.
بهذه الضوابط نكون قد انتهينا من قواعد توحيد الألوهية، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنبدأ الحديث في قواعد الأسماء والصفات بإذن الله تعالى، ثم ننتقل إلى بقية أصول العقيدة على نحو ما سبق أن أشرنا إليه.