ومن الإيمان أيضاً الإيمان بالرسل، ويتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأن الله عز وجل أرسل رسلاً لكل أمة من الأمم، فلا تخلو أمة من الأمم من بشير ونذير ومن رسول يعلمهم التوحيد ويحذرهم من الشرك، يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦] فكل أمة من الأمم وكل جماعة من الناس أرسل الله عز وجل إليهم رسولاً، ولهذا فإن الرسل الذين ذكرهم الله عز وجل في القرآن، هم جزء من الرسل وليسوا كل الرسل، بل إن الله عز وجل أخبرنا أن هناك عدداً من الرسل لم يخبرنا الله عز وجل بخبرهم، فقال:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}[غافر:٧٨].
وأيضاً يتضمن الإيمان بالرسل الإيمان بأسماء الرسل الذين سماهم الله عز وجل: آدم وإدريس ويوسف وعيسى وإبراهيم واليسع ذو النون وإلياس ومحمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من المرسلين الذين ذكروا في القرآن الكريم.
وأيضاً مما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالرسل الإيمان بأن منهم من كلمهم الله عز وجل مباشرة كما حصل مع موسى، ومنهم من كان يرسل إليهم رسولاً ويأتيهم الوحي من السماء، ومنهم من أوحى الله عز وجل إليهم بالإلهام، والنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه بهذه الطرق جميعاً.
ومن الإيمان بالرسل أيضاً الإيمان بمعجزات الرسل، فإن الرسل جاءوا بالبينات والهدى، وكل رسول أرسل إلى قومه فإنه يكون له بينة ومعه دليل واضح، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله لم يبعث رسولاً إلا أتاه من الآيات ما على مثله آمن قومه) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو نص الحديث، والذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات هو القرآن الكريم، ولهذا فتعتبر أعظم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم هي معجزة القرآن الكريم، ولهذا فإن إعجاز القرآن من حيث فصاحته، ومن حيث بلاغته، ومن حيث ما يتضمنه من الحكم، وما يتضمنه من الشرائع العظيمة، وما يتضمنه من القصص والدقة المتناهية، وما يتضمنه من الشفاء، وما يتضمنه أيضاً من الانضباط والاتساق، كل ذلك دليل واضح على أن هذا القرآن من كلام الله سبحانه وتعالى، ولو كان من كلام البشر لما كان بهذه الصورة وبهذه الكيفية.
ولهذا فعلى طالب العلم أن يعلم أن دلائل النبوة من أعظم الوسائل التي يثبت بها الدين، فإن الإنسان إذا عرف دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ما يترتب على ذلك يعتبر من أعظم الحجة، يترتب عليه صدق الرسول، ويترتب على صدق الرسول صحة الدين، ويترتب عليه صحة كل التفصيلات الواردة في الدين في القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا ينبغي أن يدرك الإنسان دلائل النبوة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن رسالته تدل عليها أدلة كثيرة ربما تصل إلى أكثر من ألف دليل، وأبلغ ذلك وأعظم ذلك القرآن.
والأنبياء والمرسلون الذين كانت آيات نبوتهم خفية، كآية هود عليه السلام قال له قومه:{مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ}[هود:٥٣].
يقول شارح العقيدة الطحاوية: إن الآية التي جاء بها هود هي أنه جاء إلى أمة طاغية باغية قوية، وكان مستضعفاً، ومع ذلك وقف أمامهم غير عابئ خواف، وجاءهم بأدلة مقنعة من حيث توحيد الله عز وجل، واتباع المرسلين، ولهذا تعتبر آية ودليل هود عليه السلام من أخفى الأدلة كما نبه على ذلك شارح العقيدة الطحاوية.