[القاعدة الثانية: قوادح أصل التوحيد فعل العبادة لغير الله تعالى]
من قواعد قوادح توحيد الألوهية: أن قوادح أصل التوحيد هو فعل العبادة لغير الله كما سبق أن أشرت، فمن دعا غير الله عز وجل فإنه يقع في الشرك الأكبر، ودعاء غير الله عز وجل له ضابط، وهو أن يدعو غير الله عز وجل بصيغة الدعاء المعروفة فيما لا يقدر عليه الإنسان، وإنما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
ومن أنواع الدعاء: الاستغاثة، فالاستغاثة هي سؤال المكروب كشف كربته، فمن سأل الإنسان ما يقدر عليه، مثل: إنسان غريق رأى رجلاً فصاح وطلب النجدة وهو يقدر على ذلك، فهذا لا شيء فيه؛ ولهذا يقول الله عز وجل في قصة موسى مع الإسرائيلي الذي وجده يتقاتل مع الفرعوني {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص:١٥]، وهذه الاستغاثة استغاثة مشروعة؛ لأنه استغاث بموسى فيما يقدر عليه موسى عليه السلام.
النوع الثاني: هو أن يستغيث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: مغفرة الذنوب، وكشف الكروب ورفعة الدرجات في الجنة، وقبول الأعمال الصالحة عند الله سبحانه وتعالى، فهذه أمور لا يقدر عليها إلا لله سبحانه وتعالى، فمن صرفها لغير الله عز وجل فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام.
كذلك الذبح، الذبح عبادة لكن لها ضابط، فإن الذبح أنواع، منها: الذبح للحم، لو أن إنساناً ذبح ذبيحة ووضعها في الثلاجة مثلاًً، هل يقال: إنه ذبح لغير الله؟ لا يقال: إنه ذبح لغير الله، لو أنه جاءك ضيف فذبحت له ذبيحة، فهل يقال: إنك ذبحت لهذا الضيف فأنت مشرك؟ لا يقال هذا القول؛ ولهذا لما جاءت الملائكة في صور الآدميين إلى إبراهيم عليه السلام، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:٢٦] أو {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}[هود:٦٩]، كما في سورة أخرى.
فالذبح يكون لغير الله عز وجل إذا أراد به التقرب لغير الله.
كذلك الحلق للرأس نوعان: حلق للتنظيف والارتياح من وعثاء الشعر مثلاًً، وحلق للتعبد، مثل: الحلق عند الحج، فلو أن إنساناً جاء وطاف حول قبر، وحلق رأسه عنده على سبيل التعبد، فإن حلق الرأس هنا يكون عبادة لغير لله، وقد وقع في الشرك؛ لأن حلق الرأس فيه تذلل، وفيه إخضاع للرأس، فعندما يكون لإرادة التقرب فإن يقع الإنسان في الشرك إذا فعلها لغير الله سبحانه وتعالى.
وهكذا الحال في سائر الأعمال مثلاً: السجود إذا فعله تحية فهو آثم، فلو أن إنساناً سجد لإنسان، وقال: أنا قصدت التحية ولم أقصد التعبد له، فنقول له: إن هذا الفعل الذي فعلته صورته صورة عبادة، وقد حصل في الظاهر الشرك، ولكن إرادة التحية هنا تمنع من تكفير هذا المعين، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، والسجود الذي يكون شركاًًً مخرجاًً عن الملة هو سجود التقرب والتعبد.