[فضائل توحيد الألوهية]
ننتقل إلى مسألة أخرى وهي: فضائل توحيد الألوهية.
أولاً: توحيد الألوهية: هو الحكمة من خلق الجن والإنس، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، ففي هذه الآية بيان أن الله عز وجل خلق الإنس والجن لتحقيق غاية معينة وهي العبادة، ولهذا قال ابن عباس في معنى قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]: إلا ليوحدون، يعني: إلا ليفردوا الله عز وجل بتوحيد العبادة.
ثانياً: توحيد الألوهية هو أساس دعوة الرسل جميعاً: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].
ثالثاً: أن توحيد الألوهية -وهو إفراد الله عز وجل بالتأله والتعبد- هو حق الله عز وجل على الناس، كما ورد في حديث معاذ بن جبل عندما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له: (يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً).
رابعاً: أن من حقق هذا التوحيد وخلصه من شوائب الشرك الأكبر والأصغر وخلصه من البدع والمعاصي، فإنه سيكون من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما ورد في حديث ابن عباس الطويل في السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
خامساً: أن من جاء بهذا التوحيد تاماً فإن له الأمن والاهتداء بحسب توحيده، ومن جاء بالتوحيد ناقصاً فإن له الأمن والاهتداء ناقصاً.
يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]، ومعنى (الذين آمنوا ولم يلبسوا) يعني: لم يخلطوا، (إيمانهم بظلم) يعني: بشرك، (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فالأمن والاهتداء في الدنيا والآخرة.
وقد فسرت الآية الأخرى في سورة لقمان أن المقصود بالظلم هو الشرك، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما جاء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ -لأنهم فهموا من الآية ظلم العبد لنفسه، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالظلم هو الظلم الأكبر الذي هو الشرك، واستدل بآية لقمان السابقة- فقال: ألم تسمعوا قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]).
سادساً: هو أن من كان معه أصل توحيد الألوهية فإنه لابد أن يدخل الجنة حتى لو كان معه بعض الذنوب والمعاصي والآثام ودخل النار، فإنه يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وهذا الحديث في الصحيحين.
فقوله: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) فيه مجموعة من الشروح لأهل العلم، منها: سيدخل الجنة على أي عمل كان، فإذا كان فاسقاً وعنده ذنوب ومعاصي فإنه سيدخل الجنة حتى لو دخل النار زمناً وطهر فإن عاقبته إلى الجنة، وهذا يدل على فضل هذا التوحيد، وأن عاقبته هي الخير للإنسان.
سابعاً: أن من جاء بالتوحيد فإن الله يغفر به جميع الذنوب، ولهذا جاء في الحديث القدسي أنه قال: (ولو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة)، وأهم شيء هو أن يكون الإنسان موحداً وألا يكون عنده شيء من الشرك.
ولهذا فإن فضائل توحيد الألوهية كثيرة لا تكاد تعد ولا تحصى، بل إن ابن القيم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين) قال: إن القرآن كله راجع إلى هذا النوع من التوحيد، فهو إما آيات صريحة في توحيد الله عز وجل فهو راجع إلى التوحيد صراحة، وإما آيات في الأحكام وهي من لوازم التوحيد؛ فإن توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة ومن العبادات هذه الأحكام، أو قصص وأخبار، فهي قصص لأهل التوحيد مع أهل الشرك وكيف كانت عاقبة الموحدين المشركين، أو أنها في ذكر صفات الله عز وجل وهذه راجعة أيضاً للتوحيد، فكل القرآن يرجع إلى التوحيد.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، وكانت (آية الكرسي) أعظم آية في القرآن؛ لأنها تشتمل على توحيد الألوهية، فهو أول الأمر وآخره، وهو الذي تحقن به الدماء، فإن من لم يوحد ربه بهذا النوع من التوحيد فإن دمه حلال، ولا يكون حراماً إلا إذا وجدت عهود أو عقود بح