أول واجب على المكلف هو إفراد الله تعالى بالعبادة؛ لأن الأمور الأولية في العقيدة فطرية، فمعرفة الله عز وجل فطرية، ومعرفة ربوبية الله عز وجل فطرية جملة، والتأله لله عز وجل والحاجة إليه فطرية بالجملة، وهذا معنى الفطرة.
وهذه القضية وقع فيها خلاف عميق في تاريخ المسلمين بين أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحق وبين أهل الكلام المذموم من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية وغيرهم، ولهذا فإن الخلاف القائم الآن بين أهل السنة من جهة وبين القبوريين من جهة أخرى فيما يتعلق بتعظيم القبور والطواف حولها والذبح والنذر لأصحاب هذه القبور ونحو ذلك من الشركيات أساسه عائد إلى هذه القضية أو المسألة، فأهل السنة تقريرهم للتوحيد كما سبق؛ ومعرفة الله عز وجل فطرية دلت عليها النصوص الشرعية الواضحة.
وتوحيد الربوبية كما أنه فطري في الجملة فإنه لم يكن موطن إشكال أصلاً بين الأمم، فكل الأمم كانت تعترف بأن الله عز وجل هو الخالق والرازق والمحيي والمميت ونحو ذلك، بل إن أول أمة نزلت على ظهر الأرض آدم وأبناؤه، وقد كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، أي: ألف سنة، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا على التوحيد لمدة عشرة قرون، ثم حصل الشرك في قوم نوح، فأرسل الله عز وجل إليهم نوحاً وكان أول رسول أرسله الله عز وجل إلى الإنسانية، فدعاهم إلى الله، وكان شرك قوم نوح في العبادة، ولم يكن في معرفة الله عز وجل أو إنكار وجوده، أو ادعاء أن هناك خالقاً أو رازقاً مع الله، قال الله عز وجل:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}[البقرة:٢١٣]، فقد قال ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كان آدم وبنوه على التوحيد عشرة قرون).
وقال الله عز وجل حاكياً عنهم:{لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:٢٣]، فهذه أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، وكانوا مضرب المثل في العبادة لله عز وجل، فلما ماتوا حزن عليهم الناس حزناً شديداً، فجاء الشيطان إليهم ووسوس إليهم أن ينصبوا على أشكالهم تماثيل ويضعونها في الميادين والأماكن العامة، من أجل أن يذكروهم بالعبادة، ولم يقل لهم: اعبدوهم، فإنهم كانوا قريبي عهد بالتوحيد، ولا يمكن أن تنطلي عليهم مثل هذه الخطة.
وأنتم تعلمون أن الشيطان له خطوات، فليست له خطوة واحدة بل مجموعة خطوات، فهو يقرب الإنسان من الحرام ثم يدخله في بداية الحرام، ثم قليلاً قليلاً حتى يقع في بطن الحرام.
فأقنعهم بأن ينصبوا تماثيل ويجعلوها في الأماكن العامة، فلما هلك الجيل الأول وجاءت الأجيال القادمة ونسي العلم جاء الشيطان إليهم وقال: إن آباءكم كانوا يستسقون بهم المطر فيسقون، وكانوا يستدفعون بهم الشر فيندفع، فعبدوهم من دون الله، فكانوا يعرفون الله ويعظمونه، لكن المشكلة الحقيقة التي وقعت عندهم كانت في العبادة.
وهذه القضية مهمة وأولية وأساسية في بناء العقيدة بالنسبة لطالب العلم إذا أدركها بهذه الطريقة، ومسألة فطرية المعرفة وأول واجب على المكلف من المسائل المهمة حتى يدرك الإنسان جذور الخلاف الذي وقع في حياة المسلمين، وكيف أن المسلمين اختلفوا في أصول دينهم، وأصبح هناك أشخاص يدافعون عن القبور والطواف حولها والنذر لغير الله عز وجل، ولهذا فإن الشيعة يعبدون القبور ويحجون إليها، حتى إن أحدهم ألف كتاباً وسماه حج المناسك، أي: مناسك زيارة القبور، والمناسك المشروعة: هي الطواف والسعي والذهاب إلى منى وعرفات ومزدلفة، والرجوع إلى منى ورمي الجمرات وطواف الإفاضة والوداع ونحو ذلك من المناسك التي هي نصوص صريحة في القرآن والسنة، أما المناسك عند الشيعة فهي زيارة القبور، بل نص بعض أئمتهم أن الذهاب إلى القبور والحج إليها أفضل من الحج إلى مكة والمشاعر المقدسة بألفي ألف مرة، أي: بمليوني مرة! ولهذا فإنهم يأتون إلى هذه القبور ويبكون عندها ويسجدون لها، ويدعون غير الله عز وجل كالأولياء والصالحين، ويطلبون منهم أموراً خاصة لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، كالولد والرزق، والعفو من الذنوب، والبركة في الأموال والأولاد والأهل، ويمارسون الشرك حقيقة، ويقولون أنهم مسلمون، فأساس المشكلة في وقتنا الحاضر هو في فهم التوحيد، فينبغي علينا أن ندرك حقيقة التوحيد الشرعية من خلال القرآن والسنة.