للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قاعدة في كيفية التعامل مع النصوص الشرعية الواردة في باب الإيمان ونحوه]

ينبغي أن نعرف قاعدة في التعامل مع النصوص الشرعية في باب الإيمان وفي غيره من الأبواب، وهذه القاعدة هي: أن الإنسان لا يصح له أن يأتي بنص واحد من النصوص، ويعتمد عليه، ويستخرج منه حكماً ويلغي بقية النصوص، فمثلاً: لو أن إنساناً جاء وقال: النمام كافر، قلنا له: وما هو الدليل على أن النمام كافر؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وإذا كان لا يدخل الجنة فمعنى ذلك أنه يدخل النار، نقول: لا، هذا غير صحيح، التعامل بهذه الطريقة مع النصوص غير صحيحة، فالآيات التي ورد فيها نفي الإيمان أو التي ورد فيها أن الفعل الفلاني لا يدخل صاحبه الجنة أو أنه يدخل النار، هذه النصوص تسمى عند العلماء ألفاظ الوعيد أو نصوص الوعيد فيجب أن تجمع في مكان واحد، وأن يميز بين ما يدل على الكفر منها وما لا يدل، فالقتل أشد أنواع الكبائر، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:٩٣]، هذه خمسة عقوبات منها قوله: ((خَالِدًا فِيهَا))، ومع ذلك فإن القاتل المسلم إذا قتل إنساناً مسلماً فإنه يجوز لأولياء الدم أن يعفو عنه، ولو كان كافراً لما جاز العفو عنه، هذا أولاً.

ثانياً: يجوز لهم أن يقبلوا عوضاً، وهو الدية، ولو كان كافراً لما صح قبول العوض منه.

ثالثاً: أن الله عز وجل سماه أخاً، فقال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:١٧٨]، ولو كان كافراً لما سمي أخاً؛ لأن المسلم لا يكون أخاً للكافر أبداً، والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، فجعل المؤمنين هم الإخوة، وهذا حصر وقصر في الإخوة، ويقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩]، فوصفهم بالإيمان مع وجود الاقتتال بينهم.

وهذه النصوص الشرعية التي تسمى نصوص الوعيد هي تدل على الذم لهذا الفعل، وتدل على تحريم هذا الفعل، وتدل على خطورة هذا الفعل، لكنها لا تدل على التكفير إلا بقرينة صريحة في هذا الباب، فلو أن إنساناً استدل مثلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، فيقول: إن هذا الحديث نص في أن شارب الخمر والسارق والزاني غير مؤمن، ومعنى ذلك: أنه يكون كافراً، نقول: لا، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على هؤلاء، ولو كانوا كفاراً لما كان لإقامة الحد معنى؛ خصوصاً أن بعض الحد مخفف مثل: الجلد، فلو أن شاباً غير متزوج زنى، فما هو الحكم الشرعي فيه بعد ثبوت الزنا عليه؟ إنه الجلد وتغريب عام، فلو كان كافراً لما كان هناك حد شرعي، لكان الواجب أن يقتل، وكذلك شارب الخمر لو كان كافراً لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب أربعين سوطاً، وإنما يأمر بقتله، وكذلك السارق لو كان كافراً لما قطعت يده، ولكان قطع رأسه، فالحدود وتفاوت الحدود دليل على أن أصحاب هذه الجرائم وأصحاب هذه الكبائر ليسوا كفاراً.

إذاً: كيف نفهم حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؟ نقول: نفهمه على أنه نفي لكمال الإيمان الواجب، فإذا قال إنسان: على أي أساس تفهم هذا الفهم؟ نقول: جمعاً بينه وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أقام الحدود على هؤلاء، وخير من يطبق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، فقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وجلد، فكيف ينفي عنه الإيمان المطلق ويجلده؟ لو كان كافراً لقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه).

<<  <  ج: ص:  >  >>