[اتخاذ منهجية مرتبة في تحصيل العلم]
الأمر الثالث: ينبغي على طالب العلم أن يجعل لنفسه منهجاً مرتباً في تحصيله للعلم، وذلك بأن يبدأ بتعلم مقاصد العلم قبل تعلم الوسائل، فالعلوم نوعان: علوم مقاصد، وعلوم وسائل.
فالعلوم المقصودة لذاتها: هي علم العقيدة، وعلم الفقه، والحديث، والتفسير، فهذه علوم مقصودة في ذاتها.
وهناك علوم وسائل، أي: علوم تجعل الإنسان يستطيع أن يفهم بها هذه العلوم، ومنها: علم أصول التفسير، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، وأصول الفقه، والنحو، وما يتعلق بهذه العلوم التي تتعلم لغيرها حتى يتعلم الإنسان بقية العلوم.
فينبغي لطالب العلم أولاً أن يبدأ بعلم العقيدة، وعلم الفقه، فيدرس في كل علم من هذه العلوم كتاباً شاملاً مختصراً، يعتني مؤلفه بأصول العلم، ويقررها تقريراً صحيحاً مأخوذاً من النصوص الشرعية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى علوم الوسائل.
ومن المنهجية في طلب العلم: أن يبدأ الإنسان بصغار العلم قبل كباره، وألا يشتغل بالمصنفات الطويلة قبل أن يضبط الكتب الصغيرة في أي علم من العلوم، وألا يشتغل بالمسائل الخلافية التي فيها تفصيلات وتطويل ونقاش كثير قبل أن يدرك أساسيات المسائل، فإدراك أساسيات المسائل مهم بالنسبة لطالب العلم، فإنه إذا اشتغل بالخلافيات وتتبع الخلاف فإنه لا يستطيع أن يتفهم العلم بصورته الصحيحة، وهذا هو الذي يسميه بعض العلماء: التأصيل، ومعنى التأصيل: أن يبدأ الإنسان بالأصول، فعلم العقيدة فيه أصول، وعلم الفقه فيه أصول، وعلم الحديث فيه أصول، وكل علم من العلوم فيه أصول، فيبدأ الإنسان بهذه الأصول ويفهم هذه الأصول.
ومن المنهجية أيضاً في طلب العلم: ألا يستعجل الإنسان في طلب العلم، فبعضهم يريد أن يصبح عالماً أو فقيهاً بسرعة، والسرعة لا تغني شيئاً خاصة في العلم، فالعلم لا يؤخذ بالسرعة وإنما يؤخذ بالتأني، يتفهم الأمور مسألة مسألة ثم بعد ذلك يكون عنده فقه عظيم.
جاء أبو حنيفة إلى حماد بن أبي سليمان وسأله عن العلم فقال: تعلم في كل يوم مسألة أو مسألتين وسيصبح لك بعد فترة علم كثير.
فالعلم يحصل بالتأني والتدرج والاستمرار، والإنسان إذا استمر في العلم فلو حفظ في كل يوم مسألتين فقط فسيحصل على علم كثير جداً في آخر السنة، وفي السنة التي تليها والتي تليها، أهم شيء أن يواظب الإنسان في طلبه للعلم وألا ينقطع، وعليه أن يبتعد عن الفوضوية والتخبط في طلب العلم.
والتخبط: هو أن يدخل الإنسان في درس من الدروس ويستمر فيه ثلاثة دروس أو خمسة إلى عشرة دروس ثم ينتهي ويترك هذه الدروس، أو أن يبدأ في كتاب فيبدأ بمقدمة الكتاب ثم يترك هذه البداية، أو يسمع مجموعة من أشرطة أهل العلم المتخصصين فيستمع إلى الشريط الأول والثاني والثالث ثم يترك البقية.
ولهذا مع الأسف يوجد من طلاب العلم من يتذوق الدروس، بأن يحضر الدرس الأول ويكون حريصاً، وتجده مهتماً غاية الاهتمام، فيستمر -كما قلت- وقتاً بسيطاً، ثم يسمع أن هناك درساً آخر فتح فيذهب إليه، ويستمر فيه وقت بسيط، ثم يسمع أن هناك درساً ثالثاً فتح فيذهب إليه، وهكذا يصبح يتنقل بين الدروس لا يحضر إلا أوائل الدروس ثم يتركها، فهذا لا يمكن أن يكون فقيهاً أو عالماً، ولا يمكن أن يحصل العلم المطلوب الذي نتكلم عنه باسم المنهجية في طلب العلم.