هنا مسألة مهمة جداً يحتاجها طالب العلم، وهي: مسألة العقيدة، هل اسم العقيدة اسم ورد في القرآن والسنة أم أنه لم يرد هذا الاسم في القرآن والسنة؟ الحقيقة أن اسم العقيدة الوارد في القرآن والسنة هو الإيمان، فالعقيدة مصطلح ذكره العلماء المتأخرون لجملة المسائل التي تتعلق بعقيدة الإنسان، وهذه المسائل تسمى في القرآن: الإيمان، يقول الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢]، فالإيمان والسنة هذه هي التي ذكرها العلماء المتأخرون باسم العقيدة، أي: أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا المصطلح -وهو العقيدة- موجوداً، لكن كان الموجود هو الإيمان، ومعنى الإيمان: التصديق الجازم بالعقائد الواردة في القرآن والسنة والعمل بمقتضاها.
ثم لما ظهرت الفرق الضالة في آخر القرن الأول تقريباً وصار لها رواج، بدأ العلماء يؤلفون في مسائل العقيدة باسم السنة، وذلك أخذاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(فمن رغب عن سنتي فليس مني)، والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح.
ويمكن أن ننبه إلى قاعدة في المصطلحات وهي: أن المصطلحات هي عبارات تدل على معان، فهي ألفاظ ومعانٍ، فإذا كانت المعاني صحيحة فإنه لا بأس بهذه الاصطلاحات، ولكن إذا كانت المعاني غير صحيحة فإن هذه المصطلحات تكون مذمومة، ولهذا سميت العقيدة بأسماء متعددة، فسميت: الإيمان، والتوحيد، والسنة، وأصول الدين، ونحو ذلك من الأسماء، وأما الأسماء البدعية فهي مثل من سماها بعلم الكلام، فعلم الكلام هو علم اخترعه بعض المبتدعة الذين اشتغلوا بمناظرة النصارى والزنادقة وأصحاب الديانات الوثنية الأخرى، فأسسوا علماً من خلال هذه المناظرات التي لم تكن على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في المناقشات والمناظرات والحجاج العقلي المشروع، ولهذا أدخلوا في العقائد أموراً مبتدعة، مثل نفي الصفات، ونفي القدر أو إثبات الجبر، وأيضاً القول بأن الإيمان إنما هو مجرد التصديق، وأن العمل لا يدخل في حقيقة الإيمان، ونحو ذلك من المسائل التي ابتدعوا فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى.
ولهذا حذر علماء أهل السنة وحذر علماء السلف من هذا العلم -أعني علم الكلام- لأنه علم مبتدع، فلم يحذروا منه لكونهم استخدموا مصطلحات جديدة مثل: العرض، والجسم، والجوهر الفرد، ونحو ذلك، وإنما لكون هذه المصطلحات تتضمن معاني باطلة، مثل المصطلحات التي استخدمها الصوفية، فالصوفية يتحدثون في السلوك، والسلوك من مسائل الإيمان أيضاً، لكنهم تحدثوا بلغة وبمنهج بدعي، فهم يتكلمون عن الفناء، والسكر، والشطح، ونحو ذلك من المصطلحات التي يأتون بها، وهي تدل على معان باطلة مخالفة للسنة، ولهذا نهى أهل العلم عن علم الكلام وعن التصوف من هذا الباب، فهم لم ينهوا عنه لكونه اشتمل على مصطلحات، أو لأنه علم جديد، بل نهوا عنه لأنه يتضمن مناقضات لأصول الدين وأصول العقيدة.
فينبغي لطالب العلم أن يدرك هذه المقدمة قبل أن نبدأ في الحديث عن أصول العقيدة.