يدل على الفطرة أحاديث كثيرة جداً، منها: الحديث القدسي في صحيح مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)، والحنيف معناه: المائل عن الشرك، ولهذا سمي الأحنف بن قيس أحنفاً -مع أنه صخر بن قيس - لكن سمي بـ الأحنف وراج هذا الاسم لأنه كان في رجليه حنفة، كانت رجلاه مائلتين، وهو سيد مشهور سيد تميم، وكان يضرب به المثل في الحلم.
ومعنى الحنيف: المستقيم على طاعة الله عز وجل، والحنيف من كلمات الأضداد، ففي اللغة العربية كلمات تستخدم لمعاني متعددة، فمثلاً: كلمة (بصير)، تستخدم للرجل المبصر الذي يرى، وللأعمى، وكلمة:(مفازة) تستخدم للشيء الذي فاز فيه الإنسان، وتستخدم أيضاً للصحراء المهلكة، وكلمة (السدفة) تستخدم للظلمة، وتستخدم أيضاً للنور، فهذه من كلمات الأضداد، والعرب يستخدمونها في هذه الأشياء السيئة من باب التفاؤل.
فالحنيف معناه: المائل عن الشرك، ولهذا وصف الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بأنه كان حنيفاً فقال:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٠]، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(بعثت بالحنيفية السمحة) أي: المائلة عن الشرك.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:(خلقت عبادي حنفاء) معناه: أنه خلقهم على توحيد الله سبحانه وتعالى، بل جاء في رواية صحيحة أنه قال:(خلقت عبادي حنفاء مسلمين فاجتالتهم الشياطين)، وإذا قارنت بين حديث أبي هريرة في الفطرة، وبين حديث عياض بن حمار المجاشعي في قول الرب سبحانه وتعالى:(خلقت عبادي حنفاء مسلمين)؛ تجد التطابق، فالجميع على الفطرة، حنفاء مسلمين، ثم يحصل لهم بعد ذلك التأثر، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وفي الحديث الآخر قال:(فاجتالتهم الشياطين).