[دلالة الميثاق المأخوذ من بني آدم على فطرة التوحيد]
ومن أدلة الفطرة المشهورة الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على الناس، ويدل على ذلك آية الأعراف المشهورة، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف:١٧٢ - ١٧٣]، فهاتان الآيتان في سورة الأعراف تدلان على الميثاق، وقد اختلف أهل العلم في صورة الميثاق: هل الميثاق هو أن الله عز وجل أخرج الناس حقيقة من ظهور آبائهم وجمعهم في مكان واحد، وأنه حصل هناك سؤال من الله عز وجل بقوله: ألست بربكم؟ وأن الخلق أجابوا بمنطق صريح بقولهم: بلى شهدنا، ونحو ذلك؟ فهل كان الميثاق بهذه الصورة كما يدل عليه ظاهر الآية أم أن الميثاق المقصود به أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على الفطرة فجعل هذه الآية على شكل ضرب المثال؟ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمها الله: أن هذه الآية تدل على الفطرة، وأن الميثاق لم يكن ميثاقاً حقيقياً، ويرى بعض السلف ومنهم ابن جرير الطبري أن الميثاق كان حقيقياً، ويستدلون بأحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وعلى كل حال: نحن لا نريد التفصيل في موضوع الميثاق، وإنما في دلالة الميثاق، فالذين قالوا بأن الميثاق حقيقي، وأن الله عز وجل أخرج الناس مثل الذر في مكان واحد، والذين قالوا: إن الدلالة تدل على الفطرة، الجميع يتفق على أن معرفة الله عز وجل وعلى أن توحيد الربوبية وعلى أن التوحيد والتأله لله عز وجل يولد عليه الإنسان مفطوراً، فدلالة الميثاق تدل على الفطرة أيضاً، وهو أن الله عز وجل خلق الإنسان مفطوراً على توحيد الله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبودية له، وإن كان هذا على سبيل الإجمال وليس على سبيل التفصيل.