[تنوع صفات الله تعالى باعتبارها ذاتية وفعلية]
أما من حيث المسائل فإن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية، وصفات فعلية.
سبق أن أشرت إلى أن هذه التقسيمات هي تقسيمات فنية علمية، الهدف منها تقريب المسائل العلمية، وإلا فإن هذه التقسيمات لم تحصل إلا عند المتأخرين، في جيل الصحابة والتابعين ومن بعدهم لا توجد هذه التقسيمات: ذاتية وفعلية بهذه الألفاظ، وإنما الموجود هو المعنى، لكن التقسيمات هي عملية فنية اصطلاحية، وقد سبق أن ذكرت لكم قاعدة مهمة في الاصطلاح، وقلت: إن الاصطلاح: هو عبارة عن استخدام كلمات لغوية قريبة من المعنى الاصطلاحي الذي ستنتقل إليه، وأن هذا المعنى الاصطلاحي يكون في حد ذاته معنى صحيحاً، حينئذ يكون الاصطلاح صحيحاً، أما إذا كان هناك تعاند بين المعنى الاصطلاحي واللغوي بحيث يكون المعنى الاصطلاحي مختلفاً على المعنى اللغوي، فهذا اصطلاح فاسد، أو كان هذا الاصطلاح على معنى فاسد، فإنه حينئذ يكون اصطلاحاً فاسداً، ولهذا لم ينكر السلف على مصطلحات اللغويين، وعلى مصطلحات الأصوليين، وعلى مصطلحات سائر العلوم، لم ينكروا عليها لكونها مصطلحات، وإنما أنكروا على مصطلحات أهل الكلام؛ لأنها تتضمن معاني باطلة أو اختلافاً كبيراً جداً بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، مثال الاختلاف الكبير بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: التوحيد، التوحيد عند أهل الكلام ليس له وجود في لغة العرب، التوحيد عند أهل الكلام هو: أن يكون الشيء لا ينقسم، فيقولون: الواحد هو الجزء الذي لا ينقسم، وقد يسمونه بالجوهر، وهذا المعنى أصلاً في لغة العرب غير متصور؛ لأن في لغة العرب لم يكونوا يعرفون معنى غير منقسم، بل كانوا يسمون واحداً للشيء المنقسم، فيقولون: فرس واحد، وثوب واحد، مع أنه يمكن تقسيمه، ويمكن وصفه بمجموعة من الصفات، ويقولون مثلاً: بيت واحد، ويقول الله عز وجل: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:١١]، وهو رجل له صفات متعددة، له أيدي، وله أرجل، وله أعين، وله لون، وله أوصاف متعددة، فهم يقولون: إن الواحد هو الذي لا يمكن وصفه، بل هو معنى لا يمكن انقسامه باعتبار الحقيقة وباعتبار الوهم أيضاً، يعني: لا يمكن أن تتوهم انقسامه، وهذا المعنى لا يعرفه العرب أصلاً، وهذا التوحيد عند أهل الكلام صار له معنى غريب عن لغة العرب، وغريب عن ثقافتهم؛ لأنه معنى فاسد، وهكذا ما يتعلق بالمصطلحات الموجودة الأخرى، المصطلحات الصوفية المشهورة.
أما بالنسبة لصفات الله عز وجل فقد سبق أن أشرنا إلى أنها تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالإرادة.
وصفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بإرادة الله عز وجل، وقد تسمى الصفات الاختيارية، وقد تسمى الصفات الإرادية، وقد تسمى الصفات الفعلية.
وهذه الصفات الذاتية والصفات الاختيارية والفعلية أثبتها أهل السنة والجماعة، كما وردت في النصوص، ويمكن أن نمثل للصفات الذاتية بالعلم، والحياة، والإرادة، ويمكن أن نمثل للصفات الفعلية بالضحك، والنزول، والاستواء، والغضب ونحو ذلك.
من الصفات الذاتية أيضاً: صفة العينين، واليدين، والقدم ونحو ذلك أما الصفات الاختيارية فإنهم يقسمونها إلى قسمين: صفات لازمة، وصفات متعدية.
الصفات اللازمة: هي الصفات الخاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس لها تعد على بقية المخلوقات، مثل: الاستواء، ومثل: الضحك.
والصفات المتعدية مثل: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والانتقام ونحو ذلك من الصفات التي يكون لها أثر على المخلوق، لكن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها هي أن الصفات الذاتية والصفات الفعلية لا بد أن يكون هناك ارتباط بينها وبين المخلوقات، ولهذا سبق أن أشرنا إلى أن لقيط بن صبرة في الحديث الطويل: (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: يا رسول الله أو يضحك الرب؟! قال: نعم.
قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً).
فأخذ منها فائدة سلوكية وتربوية إيمانية عظيمة: وهي الرجاء، وهي من أعظم أعمال الإيمان كما هو معلوم؛ لأن الخوف والرجاء لا يتم إيمان الإنسان إلا بهما مع المحبة، ولهذا قال مكحول: من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف والرجاء والحب فهو المؤمن الموحد.
رواه أبو نعيم في الحلية، وإسناده حسن.
إذاً: هذا التقسيم لصفات الله عز وجل يجعلنا نحدد كل صفة من صفات الله عز وجل، وأنها داخلة تحت هذا التقسيم، فصفة العلم غير داخلة تحت الإرادة، وصفة الاستواء داخلة تحت الإرادة، وقد أنكر أهل الكلام الضالين من الأشعرية والماتريدية الصفات الذاتية، بالذات المتأخرين منهم أنكروا الصفات الذاتية، باعتبار أن هذه الصفات تستلزم التركيب، وأنكروا الصفات الاختيارية؛ لأنها تستلزم الحدود، والتركيب والحدود مصطلحات جديدة ذات معان خاصة جاءوا بها،