للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقد تقسيم التوحيد عند أهل الكلام]

أهل الكلام خالفوا أهل السنة والجماعة في أقسام التوحيد، فأقسام التوحيد عندهم ثلاثة أقسام، لكنها مختلفة عن أقسام التوحيد عند أهل السنة، فيقولون: الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.

وهذا التقسيم عند أهل الكلام عليه ملاحظات شرعية: الملاحظة الأولى: هو أن هذا التقسيم ناقص؛ لأن هذه التقسيمات الثلاث في مدلولها تشمل نوعين من التوحيد، هما: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، بينما توحيد الألوهية لا ذكر له عندهم.

فقولهم: واحد في ذاته، حسب فهمهم لقضية الذات، هذا تابع لباب الصفات، وواحد في صفاته تابع أيضاً لباب الصفات، وواحد في أفعاله تابع لباب الربوبية، وهذا التقسيم ناقص فلا ذكر للألوهية فيه، ولهذا جاء المتأخرون منهم وقالوا: إن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية واحد، وأنه لا فرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أبداً كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى.

الملاحظة الثانية: هو أن هذه الأقسام الثلاثة تتضمن معاني باطلة، فهم يقولون: الله واحد في ذاته لا قسيم له، فهل لله عز وجل ذاتاً مجردة عن الصفات؟ فقالوا: إن ذاته واحدة، فإذا أثبت صفة من الصفات قالوا: إنك بهذه الطريقة تثبت شريكاً مع الله، ولهذا قالت المعتزلة في مسألة تعدد القدماء: إن القديم هو الذات، فإذا أضفت صفة من الصفات سواء كانت من الصفات الخبرية، أو الصفات الثبوتية العقلية الأخرى مثل العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والعينين واليد ونحو ذلك، قالوا: أنت إذاً أضفت قدماء آخرون، فيلزم من هذا حصول الشرك ونحن ندعو إلى التوحيد، والتوحيد يقتضي تجريد الله عز وجل من الصفات، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً! ولهذا نفوا الصفات.

أما أهل السنة فإنهم يقولون: إنه لا يتصور لله عز وجل ذات بدون صفات، بل لا يمكن أن توجد ذات بدون صفات إلا في الذهن، وأما في خارج الذهن فإنه لا توجد ذات إلا مقرونة بالصفات، وهذا لا يمنع أن تكون له أوصاف متعددة وهو واحد، فهو الله مع أنه عليم حكيم رحيم غفور، له يدان، وعينان، وله علم وسمع وبصر، فهذا التعدد لا يمنع من كونه واحداً، وهذا أمر متفق عليه عند سائر بني آدم.

فأنت تقول: فلان، الرجل الصالح الكريم الأبيض الطويل، القصير الذي فيه كذا وفيه كذا، وأنت تقصد واحداً، بل حتى في غير الإنسان، فتقول في الثوب -مثلاً-: هذا الثوب ثخين، طويل، أبيض، فيه كذا وكذا، مع أنه ثوب واحد، والعرب يسمون الشيء الواحد واحداً مع أن له أوصافاً متعددة، فالله عز وجل يقول عن المغيرة: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر:١١]، فسمى المغيرة وحيداً، يعني: خلقه الله وحيداً، مع أن له صفات متعددة يدين ورجلين وعينين وعقلاً وأحشاء.

ففهمهم للصفات فاهم فاسد، وقولهم: إن الله عز وجل واحد في ذاته لا قسيم له، يدل على فهم ناقص وفاسد.

أيضاً: فهمهم لنفي الشبيه، عندما قالوا: وهو واحد في صفاته لا شبيه له، فهذا يتضمن نفي الصفات، فإذا أثبت لله عز وجل يدين أو عينين، فأنت شبهته بمخلوقاته، ونحن نقول: إن هذا لا يستلزم، فلله عز وجل صفاته الخاصة به، وللمخلوق صفاته الخاصة به، ولا يستلزم الاتفاق في الأسماء التماثل في المسميات، وليس هناك ارتباط بين هذين الأمرين.

الملاحظة الثالثة: أنهم قالوا: إن الله واحد في أفعاله لا شريك له، وجعلوا حقيقة الشرك في شرك الربوبية فقط، فقالوا: إن المشرك هو الذي يدعي أن هناك خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً مع الله عز وجل، وحصروا الشرك في هذا الباب، وأما الشرك في الألوهية فإنهم لا يرونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>