بعض أهل العلم لهم تقسيم فيما يتعلق بالعبادة، يقسمون العبادة إلى قسمين: قسم عبادة النسك، وقسم عبادة الحكم، والتشريع والاتباع، ويعتمدون في التقسيم إلى أنواع العبادة نفسها، فإن أنواع العبادة إذا نظرنا فيها نجد أنها تعود إلى أمرين: الأمر الأول: التنسك لله سبحانه وتعالى، مثل: الدعاء والذبح والنذر ونحو ذلك، ومنها ما يعود إلى الاتباع والطاعة، فيكون الحكم والطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى.
وعلى كل حال سواء كان هذا التقسيم دقيقاً أو ليس بدقيق، فإن الحكم والتشريع والطاعة المطلقة هي من جنس العبادة، ولا يجوز للإنسان أن يحكم بغير ما أنزل الله، ولا أن يشرع بغير ما أنزل الله، ولا أن يتبع اتباعاً مطلقاً غير ما أمر الله سبحانه وتعالى به، ولهذا تأملوا قول الله عز وجل:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٤٠].
فقوله:((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) هذا يدل على أن الحكم من العبادة، ولهذا جعل من أطاع واتبع من شرع بغير ما أنزل الله، وجعل للناس شريعة غير شريعة الله عز وجل، جعله ممن اتخذ هؤلاء أرباباً، فقال الله عز وجل عن اليهود والنصارى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[التوبة:٣١].
واتخاذهم للأحبار والرهبان أرباباً لا يعني أنهم كانوا يصلون لهم، ويقدمون لهم أنواع العبادات، وإنما كانوا يشرعون لهم فيتبعونهم في هذا التشريع، ولهذا جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم في آية سورة التوبة:(نحن لا نعبدهم -وقد كان عدي بن حاتم من النصارى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا يحلون لكم الحرام فتتبعونهم؟ قال: بلى، قال: ألا يحرمون عليكم الحلال فتتبعونهم؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم).
إذاً: تغيير شريعة الله عز وجل كفر مخرج عن الملة، واتباع من شرع بغير ما أنزل الله عن رضا ومعرفة وعلم فهذا أيضاً كفر كامل، يعني: المشرع الذي بدل الشريعة كافر خارج عن الإسلام، وكذلك الذي أطاعه عن علم ومعرفة وقناعة، فهذا أيضاً كافر خارج عن الإسلام.
ولهذا قال العلماء: إن الديمقراطية كفر، بعض الناس ينظر إلى آليات في الديمقراطية مثل: الانتخابات وحق الانتخاب، وحق الاجتماع، وحق الاختيار، ونحو ذلك من الحقوق العادية التي حصلت من جراء الديمقراطية، أما الديمقراطية كمنهج فهي حكم الشعب للشعب، يعني: أن يحكم الشعب نفسه، والحكم عندهم كلمة عامة تشمل أن يشرع الناس لأنفسهم بعقولهم ما يظنون أنه يهديهم إلى أحسن السبل وأفضل الطرق، فهم يقومون بتوزيع أي شعب من الشعوب إلى دوائر، وكل دائرة ترشح نائباً عنها، فيجتمع هؤلاء النواب، ثم بعد ذلك يبدءون في التشريع، ويحق لهؤلاء النواب، أو من يوكله النواب مثل: لجنة التشريعات أن تشرع للناس في كل باب من الأبواب ما يحلو لها، ولا يصح لأحد أن يعترض على هؤلاء النواب بأن عملهم هذا مخالف لشريعة الله، فمثلاً: قد يرون أن من المصلحة فتح باب الدعارة والزنا في البلاد، وأن تكون مقننة، وأن تكون تابعة لوزارة الصحة حتى لا يحصل انتشار (للإيدز)، وحتى لا تحصل بعض الأمراض الخطيرة، وهكذا الأمر في الخمر والربا وأي باب من الأبواب المحرمة، فإذا قيل لهم: إن هذا أمر حرمه الله، قالوا: نحن الآن في عملية ديمقراطية، والدين والقضايا الدينية مكانها المسجد، أما مجال الحكم ومجال التشريع فإنه لا مجال للدين فيه! ولهذا كانت الديمقراطية صورة من صور العلمانية، ولهذا يا إخواني! الديمقراطية كفر مخرج عن الإسلام، هذا في جانبها التشريعي، أما في جانب الآلة، يعني: كيف تتم عملية الشورى، وهي عملية انتخابات، فلو قالوا: نريد أن نوزع البلد إلى دوائر ثم تحصل انتخابات، ويقوم مجلس بوضع قوانين إدارية، مثل: قوانين المرور، وقوانين الإجراءات الإدارية المعتادة، وأما مسائل الحلال والحرام فإنها أمر مقطوع بها، وأنها في دين الله عز وجل واضحة وبينة ولا مجال للكلام فيها، إذا كان بهذا الأسلوب فإنه لا يكون كفراً، لكنه يكون مخالفاً للأسلوب والمنهج النبوي في الشورى، فإن المنهج النبوي في الشورى أن الناس لا يتساوون، بينما في الديمقراطية الناس يتساوون، عندهم صوت العجوز التي في بيتها لا تفقه شيئاً مثل صوت العالم الذي عرف شريعة الله عز وجل ودرسها دراسة دقيقة، وعندهم صوت الشاب المراهق الذي لم يعرف الحياة بعد، مثل صوت صاحب الخبرة ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه تسوية فيما فرق الله عز وجل فيه، ولهذا كانت طريقة المسلمين وطريقة أهل الإسلام في تقديم الشورى هي أفضل الطرق؛ لأن تقديم الشورى يتم عن طريق أهل الحل والعقد، وأهل الحل والعقد في الأمة هم الأشخاص الأمناء الأتقياء الثقات، الذين يحسنون التدبير ولهم تأثير