إن الأدلة العقلية الموجودة في القرآن كثيرة جداًً، ومنها: الأمثال المضروبة في القرآن، وهذه الأمثال المضروبة هي من الأدلة العقلية التي تدل على التوحيد، أو تدل على النبوات، أو تدل على المعاد، ومما تدل عليه هذه الأمثال المضروبة والأقيسة العقلية توحيد الألوهية.
فأدلة التوحيد منها ما هو عقلي، ومنها ما هو سمعي، والمقصود بالسمعي الأدلة التي تعتمد على الخبر السمعي.
وتقسيم الأدلة إلى عقلي وسمعي أوجه وأضبط وأحسن من أن الأدلة تنقسم إلى عقلي وشرعي، بعض الناس عندما يقسم الأدلة يجعلها على قسمين: عقلي وشرعي، ويجعل العقلي في مقابل الشرعي، فكأن الآيات القرآنية الشرعية والأحاديث النبوية لا تتضمن من دلالاتها على القضايا العقلية، وهذا غير صحيح، فإن الله عز وجل كثيراً ما يختم الآيات بقوله:(أفلا يعقلون)، (أفلا تعقلون)، (أفلا يتفكرون)، (أفلا تذكرون)، ونحو ذلك من الأدلة التي تدل على استخدام العقل؛ ولهذا يثني الله عز وجل على أولي الألباب وهم أصحاب العقول والحجا السليمة.
إذاً: تقسيم الأدلة إلى عقلي وشرعي غير صحيح، فإن العقلي لا يصح أن يقابل الشرعي؛ لأن الاستدلال العقلي يصير كأنه خارج الإطار الشرعي، فإن الشرع جاء بالأدلة العقلية المقنعة الصحيحة، وكثير من الناس عنده حساسية من الاستدلالات العقلية، ويظن أن كل استدلال عقلي باطل، وهذا غير صحيح، فإن العقل معنى ممدوح؛ ولهذا جعل مناط التكليف، والإنسان العاقل يمدح وغير العاقل يذم؛ ولهذا فإن الأدلة الشرعية جاءت بالطرق العقلية البرهانية المقنعة، بل إنما جاءت به الأدلة من الطرق العقلية هي أنفع وأضبط وأدق من الأدلة العقلية التي قد يخترعها الإنسان من نفسه؛ لأن خالق العقل هو الله سبحانه وتعالى، والذي جاء بهذا الاستدلال العقلي في القرآن هو الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو من النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
فسبب الحساسية التي توجد عند البعض من الاستدلالات العقلية هو وجود نماذج سيئة استدلت بالعقل وانحرفت، وهم أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، الذين استدلوا على المطالب العقدية بالأدلة العقلية، فتوصلوا إلى نتائج فاسدة مخالفة للنصوص الشرعية، مثل: تأويل الصفات أو الانحراف في مفهوم التوحيد، أو الانحراف في أدلة ودلائل النبوة، وحصر ذلك في المعجزات فقط، ونحو ذلك من الانحرافات الكثيرة التي وضعوا عليها عباءة العقل، وهذا لا شك أنه لا يمنع من كون الأدلة العقلية واردة، فنحن نقول: هؤلاء ليسوا أصحاب أدلة عقلية صحيحة، هؤلاء لم يكن السلف يسمونهم عقلانيين؛ لأن كلمة عقلانيين مدح، وهم ليسوا من أهل المدح، ولهذا كانوا يسمونهم أهل البدع والأهواء، والفرق بين الهوى والعقل واضح، فإن الهوى راجع إلى نفس الإنسان الذي يتخير من الأدلة ما شاء، وبالصور التي يشاء، وبالطرق التي يشاء في الاستدلال.