ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها مسألة أن السنة بعد حدوث الفتن وظهور البدع والمحدثات أصبحت علماً على العقيدة، فأصبحوا يسمون العقيدة بأنها السنة، وقد ألف عدد كبير من العلماء كتباً في العقيدة باسم السنة، كالسنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله، والسنة لـ ابن أبي زمنين وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وشرح السنة للبغوي، وأيضاً اللطيف في السنة لـ ابن شاهين، والسنة للمروزي، فكل هذه الكتب هي من كتب العقيدة مع أن اسمها السنة، فأصبحت السنة عند هؤلاء العلماء يقصد بها العقيدة؛ لأن الخلاف أول ما دب في الأمة من مخالفة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم هو في باب العقيدة، فأول فرقة شقت صفوف المسلمين وفارقت المسلمين هم الخوارج عندما كفروا المسلمين بالذنوب، ثم خرجت بعد ذلك الشيعة، ثم خرجت القدرية والمرجئة، وهذه الأربع الفرق هي أصول الفرق، التي تعود إليها كل الفرق، وهي: الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة، ثم لم يظهر التعطيل إلا بعد نهاية القرن الأول، وكان الجعد بن درهم هو أول من قال بنفي الصفات وأول من قال بخلق القرآن، وعنه أخذ هذه العقيدة الجهم بن صفوان وإليه تنسب فرقة الجهمية، ولهذا فقد صار أهل البدع يعرفون بأهل الأهواء والبدع، وأهل السنة يعرفون بأهل السنة والجماعة، وإلا فإنه في زمن الصحابة لم يكن هذا الاسم أهل السنة والجماعة معروفاً لديهم كما هو السائد الآن، وإنما كانت الأمة كلها متبعة لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما وقعت الفتنة كما ورد عن ابن سيرين قال: سموا لنا رجالكم فنأخذ قول أهل السنة ونترك قول أهل البدعة.