فلما سمع الخليفة الثاني هذا الكلام تبسم وانشرح، وكان بيده قضيب، فضرب به على مدورة، وإذا بباب قد فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من العاج مصفحاً بالذهب الوهاج، وخلفه جارية قد كملت بالحسن والجمال والبهاء والكمال، فنصب الخادم الكرسي وجلست عليه الجارية وهي كالشمس الضاحية، وبيدها عود من صنعة الهنود، وشدته وحنت إليه بعد أن ضربت أربعة وعشرين طريقة عليه، فأذهلت العقول وعادت إلى الطريقة الأولى وجعلت تقول:
لسان الهوى من مقلتي لك ناطق ... يخبر عني أنني لك عاشق
ولي شاهد من طرف قلبي معذب ... وقلبي جريح من فراقك خافق
وكم أكتم الحب الذي قد أذابني ... وقلبي جريح والدمع سوابق
وما كنت أدري قبل حبك ما الهوى ... ولكن قضا الرحمن في الخلق سابق
قال: فلما سمع الخليفة الثاني هذا الشعر من الجارية صرخ صرخة عظيمة، وشق البذلة التي كانت عليه إلى الذيل، فاسبلت عليه البشخانة، وأتي ببذلة غيرها أحسن منها، فلبسها وجلس على عادته، فلما وصل القدح إليه ضرب القضيب على المدورة وإذا بباب قد فتح وخرج منه خادم حامل كرسياً من الذهب، وخلفه جارية أحسن من الأولى، وجلست على الكرسي وبيدها عود يكمد الحسود، وأنشدت تقول:
كيف اصطباري! ونار العشق في كبيد ... والدمع من مقلتي صوفانه مدد
والله ما طاب لي عيش أسر به ... وكيف يفرح قلب حشوه كمد
قال: فصرخ الشاب صرخة عظيمة، وشق ما عليه إلى الذيل وأسبلت عليه البشخانة على العادة وأتي ببذلة غيرها أحسن منها فلبسها، واستوى جالساً، ودار المدام وانبسط الكلام، فلما وصل القدح إليه ضرب القضيب على المدور ففتح الباب وخرج منه خادم على العادة ومعه كرسي وخلفه جارية، فجلست على الكرسي، ومعها عود يذهل الأسود فغنت، وأنشدت تقول:
اقصروا هجركم وقولا جفاكم ... ففؤادي وحقكم ما سلاكم
وارحموا مدنفاً كئيباً حزيناً ... ذا غرام متيماً في هواكم
قد براه السقام من عظم وجد ... يتمنى من الإله رضاكم
يا بدور محكم في فؤادي ... كيف أختار في الأنام سواكم