للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاشاكمو، يا سادتي، أن تهجروا ... صباً معنى مغرماً بهواكمو

بالله جودوا وارحموا لمتيم ... لم يستمع فيكم حديث سواكمو

مرسى فؤادي فوق بحر رضاكمو ... فإذا شجاه حسنكم ناجاكمو

قال: فأطربتنا الجارية بحسن غنائها ولم تزل الجواري يغنين جارية بعد جارية وينشدن الأشعار إلى أن غنت عشر جوارٍ، فعند ذلك أخذت العود الست دنيا وأنشدت تقول:

قسماً بلين قوامك المياس ... إني لنار الهجر منك أقاسي

فارحم لصب في هواك متيمٍ ... يا بدر تم أنت سيد الناس

أنعم بوصلك كي أبيت بليلةٍ ... أجلو جمالك في ضياء الكاس

ما بين ورد جمعت ألوانه ... مع نرجس أيضاً وحسن الآس

قال الشاب: ثم إني أخذت منها العود وضربت عليه وغنيت هذه الأبيات:

سبحان ربي جميع الحسن أعطاكِ ... حتى بقيت أنا من بعض أسراك

يا من لها ناظر تسبي الأنام به ... خذي الأمان لنا من سحر عيناك

فالماء والنار في خديك قد جمعا ... والورد جوري نبت وسط خداك

أنت الغرام لقلبي والنعيم له ... فما أمرك في قلبي وأحلاك

قال: فلما سمعت مني ما قلت فرحت فرحاً شديداً، ثم إنها صرفت الجواري وقمنا إلى أحسن مكان قد فرش لنا فيه من سائر الألوان، ونزعت ما عليها من الثياب وخلوت بها خلوة الأحباب، فوجدتها بنتاً بكراً بختم ربها، ففرحت بي وفرحت بها فرحاً لم أجد في عمري ليلة أطيب منها، وفيها أنشدت أقول:

يا ليل! دم لي لا أريد صباحاً ... يكفي بوجه معانقي مصباحا

طوقته طوق الحمام بساعدي ... وجعلت كفي للمنام مباحا

هذا هو الفوز العظيم فخلنا ... متعانقين، فلا نريد براحا

فأقمت عندها شهراً كاملاً، وقد نسيتُ الدكان والأهل والأوطان إلى ذات يوم من الأيام قالت: يا نور الدين قد عزمت اليوم على المسير إلى الحمام، وأنت اقعد على هذا السرير إلى أن أرجع إليك.

فقلت: سمعاً وطاعةً.

<<  <   >  >>