للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحلفتني أن لا أنتقل من موضعي، فأخذت جواريها وذهبت إلى الحمام، فوالله يا إخواني ما لحقت أن تخرج من رأس الزقاق، إلا والباب قد فتح ودخلت منه عجوز وأي عجوز، وقالت: يا نور الدين الست زبيدة تدعوك، فقد سمعت بشبابك وطيب غنائك.

فقلت: والله علي يمين أنني ما أقوم من مقامي حتى تأتي الست دنيا.

فقالت العجوز: يا نور الدين لا تخل الست زبيدة تصير عدوتك، فقم كلمها وارجع.

فقمت من وقتي إليها والعجوز أمامي إلى أن أوصلتني إلى الست زبيدة، فلما وصلت إليها، قالت: يا نور الدين أنت معشوق الست دنيا؟ فقلت: مملوكك وعبد رقك.

فقالت: صدق الذي وصفك بالحسن والجمال، فإنك فوق الوصف والمقال، ولكن عن لي شيئاً حتى أسمعك؟ فقلت: السمع والطاعة، فأتتني بعود فغنيت عليه وأنشدت أقول:

قلب المحب مع الأحباب متعوب ... وجسمه بيد الأسقام منهوب

ما في الركائب من زمت حمولهم ... إلا وكان له في الظعن محبوب

أستودع الله لي في حبكم قمراً ... يهواه قلبي وعن عيني محجوب

يرضى ويغضب، ما أحلى تدلله ... وكل ما يفعل المحبوب محبوب

فقالت لي: حفظ الله بدنك وطيب أنفاسك، فلقد كملت في الحسن والظرف والمعنى، فقم إلى مكانك قبل أن تجيء إليه الست دنيا فلا تجدك فتغضب عليك.

فقبلت الأرض وخرجت العجوز أمامي إلى أن أوصلتني إلى الباب الذي خرجت منه، فدخلت وجئت إلى السرير لأجلس فوجدتها جاءت من الحمام ونامت على السرير، فقعدت عند رجليها وصرت أكبسها، ففتحت عينيها فرأتني فجمعت رجليها ورفستني فرمتني من على السرير وقالت: يا نور الدين! خنت اليمن وكذبت. وذهبت إلى الست زبيدة؟ ووالله لولا خوفي من الهتيكة والفضيحة لخربت قصرها على رأسها. ثم قالت لعبدها: يا صواب، قم اضرب رقبة هذا النذل الكذاب، فلا حاجة لنا به.

فتقدم ذلك الخادم إلي وشرط ذيلي وعصب عيني، وأراد أن يضرب رقبتي فقامت إليها الجواري الكبار والصغار، وقلن لها: يا ستاه، ما هو بأول من أخطأ ما عرف خلقك، وأنت ما تبغضينه، وما فعل ذنباً يوجب أن تقتليه.

<<  <   >  >>