فقالت: والله لا بد أن أؤثر فيه أثراً. ثم أمرت بضربي فضربت على أضلاعي الضرب الذي رأيتموه، وأمرت بإخراجي. فأخرجوني وأبعدوني عن القصر، ورموني ورجعوا وتركوني، فلمت نفسي: فمشيت قليلاً قليلاً إلى أن وصلت إلى منزلي، وأحضرت جراحاً وأريته الضرب فلاطفني وسعى في مصالحي. فلما صح جسمي دخلت الحمام وزالت عني الأوجاع والأسقام. وجئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته وجمعت ثمنه واشتريت أربعمائة مملوك ما جمعهم أحد من الملوك يركب معي في كل يوم مائتان، وعملت هذا المركب الحراقة بألف ومائتين من الذهب العين، وسميت نفسي بالخليفة، ورتبت من معي من الخدام كل واحد في وظيفة وناديت: كل من تفرج في الدجلة ضربت عنقه بلا مهلة. ولي على هذه الحالة سنة كاملة ولم أسمع لها بخبر ولا وقفت لها على أثر، ثم إنه بكى وأن واشتكى وأنشد يقول:
والله ما كنت طول الدهر ناسيها ... ولا دنوت إلى من ليس يدنيها
كأنها البدر في تكوين خلقتها ... سبحان خالقها سبحان باريها
صدت ولا ذنب لي إلا محبتها ... فكيف حال الذي قد بات نابيها
وصيرتني حزيناً ساهياً دنفاً ... والقلب قد حار مني في معانيها
قال: فلما سمع هارون الرشيد كلام الشاب وما أبداه من الخطاب تعجب غاية العجب. وقال: سبحان من جعل لكل شيء سبباً.
ثم إنهم طلبوا من الشاب الانصراف وأضمر الرشيد للشاب الإنصاف وأن يتحفه غاية الإتحاف، فانصرفوا من عنده سائرين وإلى قصر الخلافة طالبين، ولما استقر بهم في منزلهم الجلوس غيروا ما كان عليهم من الملبوس ولبسوا أثواب الموكب والملك والزينة، وكذلك مسرور سياف النقمة والعطب، فقال الخليفة لجعفر المهيب: يا وزير! علي بالشاب.
فخرج إليه في الحشم والخدم وسار إلى منزل الشاب فخرج إليه وسلم عليه فقال له الوزير جعفر: أجب أمير المؤمنين.
فقال: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين وحامي حوزة الدين.
فسار معه إلى القصر وهو من الترسيم عليه في حصر، فلما دخل إلى الخليفة ورفع الوزير الستر عن السدة الشريفة ورأى الشاب الخليفة عرفه، فقبل الأرض بين يديه ودعا له بدوام العز وأثنى عليه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين وحامي حوزة الدين