للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمسلمين، فإذا عوقب المسلم بجنايته في الدنيا كانت عقوبته كفارة له.

وهذا مذهب: الواحدي (١)، والقاضي عياض (٢)، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والعيني (٣)، والسندي (٤).

قال الحافظ ابن كثير: "قوله تعالى: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أي: هذا الذي ذكرته - من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم - خزي لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا، مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة، وهذا يؤيد قول من قال: إنها نزلت في المشركين، فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: ... ". اهـ ثم ذكر حديث عبادة. (٥)

وقال الحافظ ابن حجر: "أشكل قوله في آية المحاربين: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) مع حديث عبادة الدال على أنَّ من أقيم عليه الحد في الدنيا كان له كفارة؛ فإنَّ ظاهر الآية أنَّ المُحَارِب يُجمع له الأمران. والجواب: أنَّ حديث عبادة مخصوص بالمسلمين، بدليل: أنَّ فيه ذكر الشرك، مع ما انضم إليه من المعاصي، فلما حصل الإجماع على أنَّ الكافر إذا قُتِلَ على شركه فمات مشركاً أنَّ ذلك القتل لا يكون كفارة له، قام إجماع أهل السنة على أنَّ من أقيم عليه الحد من أهل المعاصي كان ذلك كفارة لإثم معصيته، والذي يضبط ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: ٤٨]، والله أعلم". اهـ (٦)


= وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، فَمَنْ قَتَلَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَحَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَ".
أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الحدود، حديث (٤٣٧٢)، والنسائي في سننه، في كتاب تحريم الدم، حديث (٤٠٤٦). وحسنه الألباني، في صحيح سنن أبي داود (٣/ ٤٧)، حديث (٤٣٧٢).
(١) الوسيط في تفسير القرآن المجيد (٢/ ١٨٢).
(٢) إكمال المعلم (٥/ ٥٥٠).
(٣) عمدة القاري (٢٣/ ٢٧٣ - ٢٧٤).
(٤) حاشية السندي على سنن ابن ماجة (٧/ ١٤٢).
(٥) تفسير ابن كثير (٢/ ٥٤).
(٦) فتح الباري (١٢/ ١١٤ - ١١٥).

<<  <   >  >>