للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". (١)

ولا إشكال في مؤاخذة الحي بالندب والنياحة؛ لأنَّ ذلك أمر منهي عنه (٢)، وإنما الإشكال في مؤاخذة الميت بذلك. (٣)

وقد اختلف العلماء في دفع التعارض بين الآية والحديث على مسلكين:

الأول: مسلك الجمع بين الآية والحديث:

وعلى هذا المسلك عامة العلماء، من محدثين، ومفسرين، وفقهاء؛ إلا أنهم اختلفوا في الجمع على مذاهب:

الأول: حمل الأحاديث الواردة في المسألة على ظاهرها، وتأويل الآية.

ويرى أصحاب هذا المسلك أَنَّ الميتَ يُعذَّبُ بمجرد بكاء أهله عليه، وإن لم يكن له تسبب في ذلك.

وهذا مذهب: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، رضي الله عنهما. (٤)

أما مذهب عمر - رضي الله عنه -، فيدل عليه قصته مع صهيب، فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ (٥) إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (١٣٠٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (٩٢٤).
(٢) وردت عدة أحاديث في تحريم النياحة على الميت، منها:
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ". أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٦٧).
وحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (١٢٩٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (١٠٣).
(٣) انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (١/ ٥٥).
(٤) انظر: فتح الباري، لابن حجر (٣/ ١٨٣)، وشرح الصدور، للسيوطي، ص (٢٨٣).
(٥) البيداء: المفازة التي لا شيء بها، وقد تكرر ذكرها في عدة أحاديث، ويراد بها اسم موضع مخصوص، وهو ذو الحليفة بالقرب من المدينة على طريق مكة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (١/ ١٧١).

<<  <   >  >>