للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو اختيار: القاضي أبي بكر الباقلاني (١) (٢)، والخطابي - في أحد قوليه (٣).

واحتجوا له: بأن حديث عمر بن الخطاب، وابنه، مجمل، وحديث عائشة مُفَسَّر، والمفسر مقدم على المجمل. (٤)

القول الثالث: أَنَّ التعذيب المذكور في الحديث مختص بالكافر؛ فإن الله يزيده عذاباً ببكاء أهله عليه، وأما المؤمن فلا يعذب بذنب غيره أبداً.

قال الحافظ ابن حجر: "وهو بين من رواية ابن عباس عن عائشة". (٥)

قلت: رواية ابن عباس أخرجها البخاري (٦)، ومسلم (٧)، من طريق عبد الله بن عبيدالله بن أبي مُلَيْكَةَ قال: "تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنه - بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ


= وعَنْ حَمَّادٍ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ، إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ".
أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الجنائز، حديث (٢٥) - (٩٣١).
(١) هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاضٍ، من كبار علماء الكلام. انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة، وسكن بغداد فتوفي فيها. كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. وجهه عضد الدولة سفيراً عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها. من كتبه (إعجاز القرآن) و (الانتصار للقرآن) وغيرها، (ت: ٤٠٣ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٦/ ١٧٦).
(٢) نقله عنه الحافظ ابن حجر، في فتح الباري (٣/ ١٨٤).
(٣) معالم السنن، للخطابي (١/ ٢٦٤).
(٤) انظر: معالم السنن، للخطابي (١/ ٤٦٢)، وكشف المشكل، لابن الجوزي (١/ ٥٦).
(٥) فتح الباري، لابن حجر (٣/ ١٨٤).
(٦) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، حديث (١٢٨٦) و (١٢٨٧) و (١٢٨٨)، واللفظ له.
(٧) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، حديث (٩٢٨).

<<  <   >  >>