للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضح لا يحتاج إلى تفسير؛ لأنها تعذب بالكفر، وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه، وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح؛ لأن على الكافر عذاباً أعلى، فإن عذب بدونه فزيد في عذابه فيما استوجب وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه، وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه.

فإن قيل: يزيده عذاباً ببكاء أهله عليه؟ قيل: يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سبباً، لا أنه يُعذب ببكائهم.

فإن قيل: أين دلالة السنة؟ قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "ابنك هذا؟ قال: نعم. قال: "أَمَا إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ" (١)، فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعلم الله من أَنَّ جناية كل امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه". اهـ (٢)

وذكر ابن عبد البر أَنَّ ما ذهب إليه الشافعي هو تحصيل مذهب الإمام مالك؛ لأن مالكاً ذكر حديث عائشة في موطئه (٣)، ولم يذكر خلافه عن أحد. (٤)

الإيرادات والاعتراضات على مذهب عائشة رضي الله عنها:

إن المتأمل في الروايات الواردة عن عائشة رضي الله عنها يلحظ فيها شيئاً من الاختلاف، فهي مرة تؤول الحديث بأنه حكاية حال عن امرأة يهودية تُعذب في قبرها، ومرة تذكر بأنه يهودي وليست يهودية، ومرة أخرى تؤول الحديث بأن الكافر يزيده الله عذاباً ببكاء أهله عليه، وهي في كل ذلك ترفع هذه التأويلات للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد تكلم العلماء على مذهب عائشة وما أوردته من تأويلات:

فقال الحافظ ابن حجر: "وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه


(١) سبق تخريجه، ص (١٥٣).
(٢) الأم، للشافعي (٨/ ٦٤٩)، وانظر: اختلاف الحديث (١/ ٥٣٧).
(٣) انظر: الموطأ، كتاب الجنائز، حديث (٥٥٣).
(٤) التمهيد، لابن عبد البر (١٧/ ٢٧٩)، وانظر: الاستذكار (٨/ ٣٢١ - ٣٢٢).

<<  <   >  >>