للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشعار بأنها لم تَرُد الحديثَ بحديثٍ آخر؛ بل بما استشعرته من معارضة القرآن". اهـ (١)

وقال الداوودي (٢):

"رواية ابن عباس عن عائشة أثبتت ما نفته عمرة وعروة عنها، إلا أنها خصته بالكافر؛ لأنها أثبتت أَنَّ الميت يزداد عذاباً ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء". اهـ (٣)

وقال ابن الجوزي: "وهذا الجواب لا أعتمد عليه لثلاثة أوجه:

أحدها: أَنَّ ما روته عائشة حديث وهذا حديث، ولا تناقض بينهما، بل لكل واحد منهما حكمه.

والثاني: أنها أنكرت برأيها وقالت بظنها، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا صح لا يلتفت معه إلى رأي.

والثالث: أَنَّ ما ذكرته لم يُحْفَظْ إلا عنها، وذلك الحديث محفوظ عن عمر، وابن عمر، والمغيرة، وهم أولى بالضبط منها". اهـ (٤)

وقال أبو العباس القرطبي - بعد أن أورد إنكار عائشة رضي الله عنها -: "وهذا فيه نظر؛ أما إنكارها ونسبة الخطأ لراويه فبعيد، وغير بيّن ولا واضح، وبيانه من وجهين:

أحدهما: أَنَّ الرواة لهذا المعنى كثير؛ عمر، وابن عمر، والمغيرة بن شعبة، وقيلة بنت مخرمة، وهم جازمون بالرواية، فلا وجه لتخطئتهم، وإذا أُقْدِمَ على ردِّ خبر جماعة مثل هؤلاء - مع إمكان حمله على محمل الصحيح - فلأن يُرَدَّ خبر راوٍ واحد أولى، فرد خبرها أولى، على أَنَّ الصحيح: ألا يرد واحد من تلك الأخبار، وينظر في معانيها كما نبينه.

وثانيهما: أنه لا معارضة بين ما روتْ هي، ولا ما رَوَوْا هم؛ إذ كل واحد منهم أخبر عما سمع وشاهد، وهما واقعتان مختلفتان.

وأما استدلالها على رد ذلك بقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)


(١) فتح الباري، لابن حجر (٣/ ١٨٤).
(٢) هو: عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ الداوودي، البوشنجي، أبو الحسن، الإمام العلامة، مسند وقته، قال الذهبي: "سمع الصحيح، ومسند عبد بن حميد وتفسيره، ومسند أبي محمد الدارمي من أبي محمد بن حمّويه السرخسي ببوشنج، وتفرد في الدنيا بعلو ذلك"، وبوشنج: بلدة على سبعة فراسخ من هراة. (ت: ٤٦٧ هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي
(١٨/ ٢٢٢).
(٣) نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٣/ ١٨٤).
(٤) كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (١/ ٥٦).

<<  <   >  >>