للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنعام: ١٦٤] فلا حجة فيه، ولا معارضة بين هذه الآية والحديث، على ما نبديه من معنى الحديث إن شاء الله". اهـ (١)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد أنكر طوائف من السلف الأحاديث الواردة في ذلك، وغلَّطوا الرواة لها، واعتقدوا أَنَّ ذلك من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره، وهذه طريقة عائشة، والشافعي، وغيرهما .... ، والأحاديث الصحيحة الصريحة التي يرويها مثل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي موسى الأشعري وغيرهم لا تُرد بمثل هذا، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لها مثل هذا نظائر، ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد لاعتقادها بطلان معناه، ولا يكون الأمر كذلك.

ومن تدبر هذا الباب وجد هذا الحديث الصحيح الصريح الذي يرويه الثقة لا يرده أحد بمثل هذا إلا كان مخطئاً، وعائشة رضي الله عنها روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظين - وهي الصادقة فيما نقلته - فروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه"، وهذا موافق لحديث عمر؛ فإنه إذا جاز أن يزيده عذاباً ببكاء أهله، جاز أن يعذب غيره ابتداء ببكاء أهله. اهـ (٢)

وقال ابن القيم: "وإنكار عائشة لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه؛ فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره، ويشهدون ما تغيب عنه، واحتمال السهو والغلط بعيد، خصوصاً في حق خمسة من أكابر الصحابة، وقوله في اليهود لا يمنع أن يكون قد قال ما رواه عنه هؤلاء الخمسة في أوقات أخر، ثم هي محجوجة بروايتها عنه أنه قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه"؛ فإذا لم يمنع زيادة الكافر عذاباً بفعل غيره - مع كونه مخالفاً لظاهر الآية - لم يمنع ذلك في حق المسلم؛ لأن الله سبحانه كما لا يظلم عبده المسلم لا يظلم الكافر، والله أعلم". اهـ (٣)

وقال الأُبِّيّ: "تواترت الأحاديث بإثبات عذاب القبر، والتعذيب فيه


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٢/ ٥٨١ - ٥٨٢). ولأبي عبد الله القرطبي كلاماً نحو هذا ذكره في تفسيره (١٠/ ١٥١).
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (٢٤/ ٣٧٠ - ٣٧١)، بتصرف. وانظر: (١٨/ ١٤٢).
(٣) عدة الصابرين، لابن القيم، ص (١٧٢).

<<  <   >  >>