للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على استحقاق كلّ أحد لشيء من العذاب، فمن الجائز أن يكون عذاباً مستحقاً بذنبٍ غير البكاء. (١)

القول الثاني عشر: أَنَّ المراد بالميت في الحديث: هو المشرف على الموت، وتعذيبه أنه إذا احُتُضِرَ والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه، وتشتد عليه سكرات الموت؛ فيصير معذباً بذلك.

ذكر هذا القول: المناوي، والآلوسي (٢).

ويرد على هذا القول: ما ورد من تقييد ذلك بالقبر، وبيوم القيامة.

المسلك الثاني: رد الأحاديث الواردة في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ومعارضتها بقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى):

قال الحافظ ابن حجر: "وممن روي عنه الإنكار مطلقاً: أبو هريرة - رضي الله عنه - كما رواه أبو يعلى (٣) من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "والله لئن انطلق رجل محارباً في سبيل الله، ثم قُتِل في قطر من أقطار الأرض شهيداً فعمدت امرأته سفهاً وجهلاً فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد ببكاء هذه السفيهة عليه".

قال الحافظ ابن حجر: "وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية، منهم أبو حامد (٤) وغيره". اهـ (٥)

قلت: أثر أبي هريرة - رضي الله عنه - لا يصح، كما بينت ذلك في التخريج.


(١) انظر: المصدر السابق، والعواصم والقواصم، للمؤلف (٧/ ٢٧٩).
(٢) انظر: فيض القدير، للمناوي (٢/ ٣٩٧)، وروح المعاني، للآلوسي (١٥/ ٤٧).
(٣) قال أبو يعلى في مسنده (٣/ ١٦٥): حدثنا زحمويه، حدثنا صالح، حدثنا حاجب يعني ابن عمر قال: دخلت مع الحكم الأعرج على بكر بن عبد الله، فتذاكروا أمر الميت يعذب ببكاء الحي فحدثنا بكر قال: حدثنا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو هريرة خالفه في ذلك، فقال: قال أبو هريرة: ... ، فذكره.
وأخرجه من طريق أبي يعلى الحافظُ ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦٧/ ٣٥٤).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٣/ ١٦): "رواه أبو هريرة، وفيه من لا يُعرف".
(٤) هو: أحمد بن محمد بن أحمد، الشيخ الإمام أبو حامد بن أبي طاهر الإسفراييني، شيخ الشافعية بالعراق، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، واشتغل بالعلم، قال سليم: وكان يحرس في درب، وكان يطالع الدرس على زيت الحرس، وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، وقدم بغداد سنة أربع وستين فتفقه على ابن المرزبان والداركي، وروى الحديث عن الدارقطني، وكان يفتي لفظاً ويأبى أن يكتب، توفي في شوال سنة ست وأربع مائة، وله شرح مشكل الوسيط، وغيره. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٧/ ١٩٣).
(٥) فتح الباري، لابن حجر (٣/ ١٨٣).

<<  <   >  >>